المشحون، فالضميران مختلفان. قال: وقيل الضميران جميعًا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم. فالفلك على القول الأول سفينة نوح، وعلى الثاني يكون اسمًا للجنس، خبّر جل وعز بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذرية والضعفاء. قال: وقيل الذرية الآباء والأجداد حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، فالآباء ذرية والأبناء ذرية. قال: وسمي الآباء ذرية لأن منهم ذرأ الأبناء. قال: وقول رابع أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهًا بالفلك المشحون).
وقوله تعالى: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾.
قال سعيد بن جبير: (هي السفن جُعلت من بعد سفينة نوح عليه السلام على مثلها).
وقال الحسن: (السفن الصغار). وعن ابن عباس: (يعني الإبل خلقها الله كما رأيت فهي سفن البر يُحملون عليها ويركبونها). وقالي مجاهد: (من الأنعام). واختار ابن جرير أنها السفن لقوله تعالى بعدها: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾. قال: والغرق في الماء ولا غرق في البر. وذكر قول السدي عن أبي مالك: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾، قال السفن الصغار. ألا ترى أنه قال: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾. واختار ابن كثير أنها الإبل، قال: (فإنا سفن البر يحملون عليها ويركبونها والأنعام جميعًا).
قلت: وخلاصة التفسير أن الله سبحانه دلّهم على قدرته بدلالة أخرى، حيث سخّر لهم البحر تجري فيه السفن بإذنه، وأولها سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، أنجاه الله فيها والمؤمنين الذين ما بقي غيرهم في الأرض من ذرية آدم، فلتعلم قريش بأنا قد حملنا آباءهم المؤمنين مع نوح في سفينة النجاة والإيمان والمملوءة بالأمتعة وأصناف الحيوان من كل زوج اثنين، فسارت إلى شاطئ الأمان، وها نحن خلقنا لهم سفنًا مثلها يركبون فيها البحر، تمضي بهم في تجاراتهم ورحلاتهم بأمن العزيز المنان، فليعتبروا وليؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، وليعظموا ما جاءهم من الوحي قبل فوات الأوان، فقول: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ كما أفاد الضحاك: هي السفن المتخذة بعد سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. ويمكن أن يدخل تحت ذلك أصنافًا أخرى شاهدها الناس اليوم للركوب هي مما فتح الله به على الإنسان وعفمه: من صناعة السيارات والطائرات والمراكب الآلية البرية والبحرية، وكثيرًا ما يُسمع اليوم عن سقوط الطائرات في البحر وغرق بعض المراكب والعبّارات بمن فيها، ليعلم الناس أن كل حركة لدابة في الأرض هي بحفظ الله ورعايته ولو شاء كان الغرق أو الهلاك، وهذا يدعوهم ليفردوا الله