﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾، وكقوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
فلما رُدّت أرواح المشركين إلى أجسامهم بعد نفخة البعث لموقف الحشر قاموا فقالوا: ﴿يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾. والبعث الإثارة، أي من أيقظنا. والوقف الحسن بعد قوله: ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا﴾ ثم يستأنف الكلام: ﴿مَنْ بَعَثَنَا﴾.
ثم قال سبحانه: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾.
وفي اسم الإشارة ﴿هَذَا﴾ وجهان. أولًا: مبتدأ و ﴿مَا﴾ مرفوعة على أنها خبر، والمعنى إشارة إلى ﴿مَا﴾. أي: هذا وعد الرحمان وصَدَقَ المرسلون. ثانيًا: أن تكون ﴿هَذَا﴾ بدلًا من المرقد، أي من صفته، أي: من بعثنا من مرقدنا هذا، فيستأنف الكلام بعدها: ﴿مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ أي: حالعثكم وعد الرحمان. أو حقّ ما وعد الرحمان بعثكم. فالوقف يكون هنا على ﴿مَرْقَدِنَا هَذَا﴾. أما الوقف الأول على ﴿مِنْ مَرْقَدِنَا﴾. ثم يبتدئ الكلام: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾. وأما تأويل من قاله عند المفسرين:
١ - قد يكون قوله: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾) من قول المؤمنين. قال مجاهد: (فقال لهم المؤمنون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾). وفي رواية عنه: (قال: مما سرّ المؤمنون، يقولون هذا حين البعث). وقال قتادة: (قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون).
٢ - وقد يكون من قول الملائكة. كما قال الفراء: (فقال لهم الملائكة: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾).
٣ - وقد يكون من قول الكفار لما عاينوا ما أخبرهم به الرسل صدقوهم حيث لا ينفعهم التصديق. قال ابن زيد: (قوله: ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾. ثم قال بعضهم لبعض: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الموت ونحاسب ونجازى).
واختار ابن جرير أن يكون من قول المؤمنين، قال: (لأن الكفار في قيلهم من بعثنا من مرقدنا دليل أنهم كانوا بمن بعثهم من مرقدهم جهالًا فاستثبتوا من غيرهم).
قلت: ولا مانع أن يكون من قول الكفار، ذهبت عنهم دهشة الفزع وتذكروا كلام الرسل.