وخلاصة المعنى: أن أهل الجنة مشغولون بألوان الملذات من طعام وشراب، وزيارة وضيافة، ونكاح وأفراح، فهم بذلك وغيره من أحوال النعيم والترف وهناءة ورغد العيش الذي شغلهم عن الاهتمام بأهل النار ومصائرهم.
والقراءتان المشهورتان هما: ﴿شُغْل﴾ بتسكين الغين، وهي قراءة قراء المدينة وبعض البصريين. والثانية بضم الغين ﴿فِي شُغُلٍ﴾ وهي قراءة الكوفيين وبعض قراء المدينة والبصرة.
وقوله: ﴿فَاكِهُونَ﴾ -أي فرحون- كما قال ابن عباس. وقيل: عجبون، كما روي عن مجا هد. وقال الحسن: (مسرورون). وقال السدي: (ناعمون). وقيل: معجبون. وكلها متقاربة. والقراءة المشهورة ﴿فَاكِهُونَ﴾، وروي عن أبي جعفر القارئ أنه قرأها: ﴿فَاكِهُونَ﴾، والأولى عليها إجماع القراء.
وفي لغة العرب: فَكِهَ الرجل فهو فَكِهٌ إذا كان طيبَ النفس مَزَّاحًا. والمفاكهة الممازحة، وتفكّه بالشيء: تَمتَّع به. والفكِه هنا بمعنى المتنغم، وفاكهون أي كثيرو الفاكهة. فهم في مزاح ونعيم وفاكهة وخير كبير.
وقوله: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾. قال مجاهد: (حلائلهم في ظُلَل).
وقرأها بعضهم ﴿ظَلَل﴾ جمع ظُلَّة. أما الظلال جمع ظِلّ، وهي القراءة المشهورة. فهم وأزواجهم في كنّ لا يَضْحون لشمس كما يَضْحى لها أهل الدنيا، فإن الجنة لا شمس فيها.
وقوله: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ أي على السُّرر. والأرائك هي الحجال فيها الفرش والسرر، واحدتها: أريكة. كما قال مجاهد عن ابن عباس: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قال: هي السُّرُرُ في الحجال (١)). وقوله: ﴿مُتَّكِئُونَ﴾ صفة لقوله ﴿فَاكِهُونَ﴾.
وقوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ قال يحيى بن سلام: (يدعون: يشتهون). وقال ابن عباس: (يسألون). وهي من دعا، فهم يتمنون من الدعاء، والعرب تقول: دع عليَّ ما شئت، فهم متلذذون بأنواع الفاكهة وبما يخطر ببالهم. وقيل: المعنى أن من ادعى منهم شيئًا فهو له، لأن الله تعالى قد طبعهم على ألا يدعي منهم أحد إلا ما يجمل ويحسن أن يدّعيه، ذكره القرطبي.