فالشعر لم يكن من طبعه عليه الصلاة والسلام، ولا يحسنه ولا تقتضيه جبلته. قال الحافظ ابن كثير: (ولهذا ورد أنه - ﷺ - كان لا يحفظ بيتًا على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه). وذكر قول الشعبي: (ما ولد عبد المطلب ذكرًا ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله - ﷺ -).
ومع أنه كان يحب الاستماع إليه أحيانًا، ويمدح بلاغته وبيانه ثانية، ويحض بعض شعراء المسلمين كحسّان وغيره على مهاجاة الكفار، إلا أنه لمِ ينظمه وما حبّبه الله إليه، والله أعلم بحكمته حيث قال: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ فكان مدحًا لنبيّه عليه الصلاة والسلام وليس ذمًّا.
ففي صحيح مسلم عن عمرو بن الشَّريد عن أبيه قال: رَدِفْتُ (١) رسول الله - ﷺ - يومًا فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصّلت شيء؟ قلت: نعم. قال: هيه (٢). فأنشدته بيتًا. فقال: هيه. ثم أنشدته بيتًا. فقال: هيه. حتى أنشدته مئة بيت] (٣).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [أصدق كلمة قالها الشاعر (٤) كلمة لبيد (٥): ألا كل شيء ما خلا الله باطل] (٦).
وفي الصحيحين أيضًا عن البراء قال: قال النبي - ﷺ - يومَ قريظة لحسان بن ثابت: [اهْجُ المشركين، فإن جبريل معك. وكان رسول الله - ﷺ - يقول لحسان: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس] (٧).
وكذلك حثّ شعراء المسلمين على ذلك- كما روى مسلم عن عائشة رضي الله
(٢) اسم فعل أمر بمعنى تكلم، أي: هات.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٢٥٥)، كتاب الشعر.
(٤) أراد به جنس الشعراء.
(٥) هو لبيد بن ربيعة العامري -أحد الشعراء الفرسان الأشراف- وأحد أصحاب المعلقات، أدرك الإسلام وآمن بالنبي - ﷺ - وترك الشعر، ولم يقل في الإسلام إلا بيتًا واحدًا، سكن الكوفة وعمر طويلًا، وتوفي سنة (٤١) هـ.
(٦) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٨٤١)، كتاب مناقب الأنصار. وكذلك (٦١٤٧)، كتاب الأدب. وانظر صحيح مسلم (٢٢٥٦)، كتاب الشعر. والمراد بالباطل الفاني المضمحل.
(٧) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١٢٤)، كتاب المغازي. وكذلك (٣٢١٣)، كتاب بدء الخلق.
وانظر صحيح مسلم (٢٤٨٥)، (٢٤٨٦)، كتاب فضائل الصحابة.