منهما الماء، فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله).
والهاء في قوله: ﴿مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ تعود على الشجر، مع أنها جمع شجرة، إلا أنه خرج مخرج الثمر.
ثم قال سبحانه: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾.
قال ابن جرير: (فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم فكيف يتعذّر عليه إحياء العظام بعدما قد رمّت وبليت؟ ).
بلى هو قادر على خلق ما يشاء، فهو الفعّال لما يريد، الخلّاق: الكثير المخلوقات، العليم: الكثير المعلومات. والآية كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
قال قتادة: (هذا مَثَلٌ: إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. قال: ليس مِن كلام العرب شيء هو أخف من ذلك ولا أهون، فأمر الله كذلك).
ثم ختم السورة سبحانه بمدح نفسه، فله كمال الحمد وكمال الثناء وأحسن الأوصاف، قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
فكل التنزيه لله ملك كل شيء وعنده خزائنه، وكل التقديس لله الذي بيده مقادير الخلق، وكل التبرئة لله من السوء فهو الحى القيوم الذي خضع له ما في السماوات وما في الأرض، وكل الأمر لله البارئ فإليه ترجع العباد يوم المعاد، ثم هو يتفضل فيعفو عمن يشاء ويتجاوز عمن يشاء فضلًا، أو يعذب من يشاء ويغضب على من يشاء عدلًا، فله الكبرياء كله وهو العادل الكريم المنعم المتفضل.
والملكوت في كلام العرب بمعنى الملك، كما قال جل ثناؤه: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. وكقوله سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. قال قتادة: (ملكوت كل شيء: مفاتح كل شيء).
وقراءة الجمهور بالتاء على الخطاب في قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. وهناك من قرأها بالياء ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. والأولى أشهر بين القراء، والله تعالى أعلم.
تم تفسير سورة يس بعون الله وتوفيقه، وواسع مَنِّه وكرمه