وهو تبشيع لها وتكريه لذكرها وتمثيل لقبحها. وقد سمي الطلع طلعًا لطلوعه، ثم إن نسبها في القبح لأعيان الشياطين وتشبيه طلعها برؤوسهم التي استقر قبحها في النفوس - وإن كان غير مرئي - هو أبلغ في بيان حقيقتها المؤذية.
وقد صار مثلًا في حياة الناس قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان، كما يصفون كل صورة جميلة حسنة بصورة الملك - كقول صواحب يوسف: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١].
قال ابن جرير: (كان طلع هذه الشجرة يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قبحها).
قلت: ولهذا التشبيه التخييلي في نفوس الناس أصل إذا علم أن من الشياطين من هو في صورة الحيات والأفاعي والكلاب، فيستقر بذلك في النفوس القبح والخبث.
فقد أخرج الطبراني في معجمه "الكبير"، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في "الأسماء" بسند صحيح عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: ﴿الجِنُّ ثلاثة أصناف: فصِنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصِنْفٌ حيات وكِلاب، وصِنْفٌ يحِلُّون ويظعنون] (١).
وكذلك أخرج الطبراني في "الكبير"، وابن حبان في صحيحه، عن ابن عباس، عن النبي - ﷺ - قال: [الحيَّات مَسْخٌ الجِنِّ صورة، كما مُسِخَت القردةُ والخنازير من بني إسرائيل] (٢).
وقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾.
هو كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية: ٦، ٧]. فلا بد لهم من أكلها إذ لا طعام غيره، وبه ستمتلئ بطون الكفار في النار.
أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - ﷺ - قال: [لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في دار الدنيا
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (١٠٨٠)، والطبراني في "الكبير" (١١٩٤٦)، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (١٨٢٤).