باق على الفطرة، سليم عن النقائص والآفات، محافظ على عهد التوحيد الفطري، منكر على من غيّر وبدّل).
وقال النسفي: " (﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. قال: أي من شيعة نوح، أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين. قال: ومعنى المجيء بقلبه ربه أنه أخلص لله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلًا لذلك).
وحكى الزمخشري: أنَّه ما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان، هود وصالح. وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وست مئة وأربعون سنة - ذكره القرطبي.
وقال: (ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين: أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته، الثاني عند إلقائه في النار).
قلت: وسلامة القلب كناية عن السلامة كلها، وعن السلامة والأمن في الدنيا والآخرة. كما في الحديث: [إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب] (١).
قال عوف الأعرابي: (سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم؟ فقال: الناصح لله عز وجل في خلقه).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾.
فأنكر على أبيه آزر وعلى قومه عبادة الأوثان والأصنام. وبقوله: ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾ فإن "ما" و"ذا" في محل نصب، والتقدير: تعبدون ماذا. وقد تكون "ما" مبتدأ وخبره "ذا". والإفك أسوأ الكذب. وقوله: ﴿أَئِفْكًا﴾ حال منصوب - أي: تريدون آلهة آفكين. وقوله: ﴿آلِهَةً﴾ في محل نصب بدل من "إفْكًا". أو في محل نصب مفعول به لتريدون.
والمعنى: أتريدون بطريق الإفك والكذب آلهة دون الله ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وفيه تفسيران:
الأول: - ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ - أنه فاعل بكم يوم تلقونه وقد عظمتم سواه وخضعتم لغيره وعبدتم من دونه. قال قتادة: (﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره). وهو تحذير، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ