وما هو بصادق في دعوى النبوة، ونسبوا إليه التفريق بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجتهِ.
وقوله: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾. أي: صيّر الآلهة إلهًا واحدًا، فإن جعل تعدت لمفعولين.
وعن قتادة: (﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ قال: عجب المشركون أنْ دُعوا إلى الله وحده وقالوا: يسمع لحاجاتنا جميعًا إله واحد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة).
ومنهم من فرّق بين العجيب والعجاب. ففي لغة العرب: العَجبُ والعجَابُ الأمر الذي يُتَعجَّب منه. وكذا (العُجَّاب) بتشديد الجيم وهو أكثر. قال الخليل: (العجيب العَجَب، والعُجَاب الذي قد تجاوز حدّ العَجَب). ونحوه طويل وطُوال فالطويل الذي به طول، والطُوال هو الموصوف بشدة الطول. قال القاسمي رحمه الله: (﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ أي بليغ في العجب. وذلك لتمكن تقليد آبائهم في نفوسهم، ورسوخه في أعماق قلوبهم. ومضيّ قرون عديدة عليه، وإلفهم به وأنسهم له، حتى ران على قلوبهم، وغشي على أبصارهم، ونسي باب النظر والاستدلال. بل محي بالكلية من بينهم، وصار عندهم من أبطل الباطل وأمحل المحال).
وقوله تعالى: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾.
يروي ابن سعد في الطبقات: (أن وفدًا من زعماء قريش قدموا إلى أبي طالب ليلتمسوا إليه أن يكف ابن أخيه، فاستدعاه وقال له: يا ابن أخي، هؤلاء عمومتك وأشراف قومك وقد أرادوا أن ينصفوك. فقال رسول الله - ﷺ -: قولوا: أسمع. قالوا: تدعنا وآلهتنا وندعك وآلهتك. قال أبو طالب: قد أنصفك القوم فاقبل منهم. فقال رسول الله - ﷺ -: أرأيتم إن أعطيتكم هذه هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم. فقال أبو جهل: إن هذه كلمة مربحة، أَنْعِم وأبيك لنقولنها وعشر أمثالها. فقال الرسول الله - ﷺ -: قولوا لا إله إلا الله، فاشمأزوا ونفروا منها وغضبوا وقاموا وهم يقولون: ﴿وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾).
فاستنكر المشركون ما يدعُوهم إليه محمد صلوات الله وسلامه عليه، وعلموا أن لا إله إلا الله تفضح الظلم والبغي وتهدد القصور والعروش الآثمة وتدعوهم أن يتركوها، لقد علموا أن لا إله إلا الله تكشف الأموال الحرام التي يأكلونها، ولا تغطي


الصفحة التالية
Icon