المعنى الثاني: المراد الأحزاب يوم الخندق يوم أتوا المدينة وتَحَزَّبوا على النبي - ﷺ - وخان اليهود ومكروا.
المعنى الثالث: المراد بالأحزاب القرون الماضية من الكفار التي دمّرها الله بكفرها. فعن مجاهد: (﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ قال: قريش من الأحزاب. قال: القرون الماضية). وقال ابن جرير رحمه الله: (يعني من أحزاب إبليس وأتباعه الذين مضوا قبلهم فأهلكهم الله بذنوبهم). قال القرطبي: (أي هؤلاء جند على طريقة أولئك، كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ أي على ديني ومذهبي).
المعنى الرابع: أي جند هذه الآلهة المزيفة مهزوم لا محالة. قال الفراء: (المعنى هم جندٌ مغلوب، أي ممنوع عن أن يصعد إلى السماء).
وقال القتبي: (يعني أنهم جند لهذه الآلهة مهزوم، فهم لا يقدرون على أن يدّعوا الشيء من آلهتهم، ولا لأنفسهم شيئًا من خزائن الله، ولا من ملك السماوات والأرض). وقال النسفي: (﴿مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ متعلق بجند أو بمهزوم، يريد ما هم إلا جند من الكفار المتحزبين على رسول الله - ﷺ - مهزوم عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون).
وجملة القول أنها أقوال متقاربة مفادها أن هؤلاء المعاندين للوحي المفضلين الاحتكام لأهوائهم سينالون مصير الباطل الذي سنّه الله له يوم يقوى أهل الحق ويرضى عن حالهم فيقذفهم على الباطل وجنده، ويذيقهم يومًا من أيام الله التي تعود بين الفينة والأخرى لتخرس الباطل في الأرض كلما ضجّ وجال وفتن النّاس.
وقوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾.
يخاطب الله نبيّه محمد صلوات الله وسلامه عليه معزّيًا له مما يلقى من المشركين ومُسَلّيًا له ليصبر على محن الطريق بأن ملل الكفر مصيرها واحد، فها هم أحزاب البغي والكبر في عصر الرسل عليهم السلام قد دمّرهم الله بذنوبهم لما أسرفوا وآثروا أهواءهم وشهواتهم على تعظيم الحق والقيام بأمر الوحي.
وفي تأنيث ذكر الله للقوم وجهان عند أهل العربية:
الوجه الأول: أنه يجوز فيه التذكير والتأنيث.