وقوله: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: الفصل في القضاء والإصابة فيه. قال مجاهد: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ قال: إصابة القضاء وفهمه). وقال قتادة: (يعني الفصل في القضاء). وقال ابن عباس: (أعطي الفهم).
التأويل الثاني: بيان الكلام. قاله ابن عباس.
التأويل الثالث: ما روي عن علي رضي الله عنه حيث قال: (هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر). وذكره الشَّعبي أيضًا.
التأويل الرابع: علم القضاء. ذكره السدي.
التأويل الخامس: قيل: البيان الفاصل بين الحق والباطل. وقيل: هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير في اللفظ القليل.
التأويل السادس: هو قوله أما بعد. قال الشعبي: (هو قوله أما بعد، وهو أول من قال أما بعد، فإن من تكلم في الأمر الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله أما بعد) - ذكره النسفي.
وخلاصة المعنى أنّ الله سبحانه علّم نبيّه داود علم القضاء ووهبه قوة الفهم والفصل بين المتخاصمين ليقيم العدل والحق في الأرض كما يحب الله ويرضى.
وقوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾. فخرج الخصم في لفظ الواحد لأنه مصدر مثل الزور والسفر لا يثنى ولا يجمع، مع أن المراد ملكان والله تعالى أعلم. وقوله: ﴿تَسَوَّرُوا﴾ أي أتوه من أعلى سوره. قال القرطبي: (يقال: تسور الحائط تسلقه، والسور حائط المدينة وهو بغير همز، وكذلك السُّور جمع سورةِ مثل بُسْرَةٍ وبُسَرٍ وهي كل منزلة من البناء. ومنه سورة القرآن، لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى). والمحراب هو مقدم كل مجلس وصدره وأشرفه. قال أبو عبيدة: (إنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾. قال الحافظ ابن كثير: (كان داود -صلى الله عليه وسلم- في محرابه وهو أشرف مكان في داره، وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم، فلم يشعر إلا بشخصين قد تسوّرا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما).