يعاقبون فيها بالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم ومتضاد ألوان العذاب يهانون به وما لهم من مكرم، كلما دخلت أمة لعنت أختها، تحيتهم التلاعن والتكذيب والشتائم كل ينسب مصيبته لغيره، من الطغاة والمستكبرين والمستهزئين بشرع الله ووحيه وأمره، فإذا دخل فوج قال لهم من سبقهم لا مرحبًا بكم، فردّ عليهم أولئك بل أنتم لا مرحبًا بكم أنتم دعوتمونا إلى الكبر والعلو في الأرض وتحكيم الشهوات ومكر الليل والنهار وتنحية شرع الله عن الحكم فلا مرحبًا بكم، واللهَ نسأل أن يضاعف عذابكم. ثم أخبر سبحانه عن أكابر المجرمين وقد افتقدوا بعض المؤمنين الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا لضعفهم وقلة حيلتهم، فاين هم اليوم هل زاغ البصر فلم يقع عليهم أمثال صهيب وبلال وسمية وآل ياسر، كلا يا أبا جهل إنهم اليوم في الدرجات العُلا في ظل عرش الرحمان، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام. هذا يا محمد خصام حق واقع يوم القيامة من كلام أهل النار. فإلى تفصيل ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
قال قتادة: (ذهاب المال والأهل والضر الذي أصابه في جسده). وقال السدي: (نصب في جسدي وعذاب في مالي). وجمهور القراء قرؤوها (بِنُصْب). وقيل: إن النصب ما أصابه في بدنه، والعذاب ما أصابه في ماله. والنَّصَبُ: الإعياء. والنَّصْب: البلاء والشر. والمراد بالنُّصْبِ في الآية العلة في جسده.
قلت: وقد امتلأت كتب المفسرين بقصص واهية كثيرة لا تقوم بها حجة عن أيوب صلوات الله وسلامه عليه وما حصل له من البلاء وسبب ذلك من الذنب وغير ذلك مما يليق ومما لا يليق، كما حُشِيت من قبل بقصص عن داود وسليمان ويوسف عليهم الصلاة والسلام، وكله من طرق واهية وأسانيد ضعيفة، وكثير منه لا تليق معانيه بمقام النبوة، وأغلب الظن أنه من فعل اليهود وحكاياتهم المكذوبة، فمن قتل الأنبياءَ والرسل من قبل هانت عليهم أعراضهم فتكلموا فيها.
وأما عن أيوب عليه الصلاة والسلام، فقد صحّ لدينا خبر في السنة العطرة عنه، يحكي قصته وما أغمّه، حكاها لنا نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ورواها ابن حبان في صحيحه من طريق نافع بن يزيد، وأبو نعيم في حليته وأبو يعلى في مسنده وصححه الألباني في سلسلته عن أنس بن مالك مرفوعًا: [إن نبي الله أيوب -صلى الله عليه وسلم- لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد