الفرس على ما لم يُسَمَّ فاعله فهو مركوضٌ. قال ابن جرير رحمه الله: (اركض برجلك الأرض: أي حركها وادفعها برجلكِ، والركض: حركة الرجل). ولخّصَ الحافظ ابن كثير معنى الآية بقوله: (وأمره أن يقوم حالًا وأن يركضَ الأرض برجله ففعل، فأنبع الله تعالى عينًا وأمره أن يغتسل منها فأذهبت ما به من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينًا أخرى، وأمره أن يشرب منها فأذهبت جميع ما كان في بطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرًا وباطنًا). والمغتسل: هو الموضع الذي يُغْتَسل فيه، والغسول الماء الذي يُغْتَسل به وكذا المغْتَسل قد يأخذ هذا المعنى. ﴿وَشَرَابٌ﴾: أي يشرب منه.
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، والإمام النسائي في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [بينما أيوب يَغْتسِلُ عريانًا خرَّ عليه جراد من ذَهَبٍ، فجعل أيوبُ يحثي في ثوبه، فناداه ربه تبارك وتعالى: يا أيوب ألم أَكُنْ أغنيتُك عمّا ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غِنى بي عن بَرَكَتِكَ] (١).
فامتنّ الله سبحانه بالعافية على أيوب وأذهب عنه ما آلمه وزاده خيرًا إلى خير فقال سبحانه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. قال الحسن وقتادة: (فأحياهم الله بأعيانهم وزادهم مثلهم). وقال القاسمي رحمه الله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا﴾ أي ترحمًا منا عليه بهذا الإضعاف والمباركة ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أي وتذكيرًا لهم لينتظروا الفرج بالصبر والنوال بصدق الاتكال). قلت: ليعلم المؤمنون من بعده بأن مع العسر يسرًا وبأن مع الصبر فرجًا ومخرجًا، كما قال جل ثناؤه ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. وكقوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
وفي سنن النسائي عن مُصْعَب بن سعدٍ عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلًا على من دونه (أي في المغنم) من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: [إنما يَنْصُرُ الله هذه الأمةَ بضعيفِها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم] (٢).
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس أنه قال: كنت رديفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: [يا غلام

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٣٣٩١)، وأخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣١٤).
وانظر: صحيح سنن النسائي -حديث رقم- (٣٩٦)، ص (٨٧).
(٢) حديث صحيح. انظر: صحيح سنن النسائي -حديث رقم- (٢٩٧٨). ص (٦٦٩).


الصفحة التالية
Icon