صُهيبًا وعمّارًا وخبّابًا، كنا نعدهم من الأشرار في الدنيا). وفي رواية: (قالوا: أين سلمان؟ أين خَبَّاب؟ أين بلال؟ ).
فالمراد أكابر المشركين، خدعهم الشيطان في الدنيا واستذلهم فظنوا الأصحاب الكرام الأخيار أشرارًا، فأخزاهم الله يوم القيامة وأذاقهم الندامة. قال ابن وعباس: (يريدون أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول أبو جهل: أين بلال أين صُهيب أين عمّار؟ أولئك في الفردوس! واعجبًا لأبي جهل! مسكين، أسلم ابنه عكرمة، وابنته جُوَيرية، وأسلمت أمه، وأسلم أخوه، وكفر هو، قال:
ونورًا أضاءَ الأرض شَرْقًا ومَغْرِبًا | وموضِعُ رجلي مِنْهُ أسْوَدُ مُظْلِمُ) |
التأويل الأول: أي أخطأنا في الدنيا لما سخرنا منهم فلم نعلم مكانهم اليوم؟.
فعن مجاهد قال: (أتخذناهم سخريًا في الدنيا فأخطأنا ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ فلم نعلم مكانهم). وقال الضحاك: (هم قوم كانوا يسخرون من محمد وأصحابه، فانْطُلِق به وبأصحابه إلى الجنة، وذهب بهم إلى النار فقالوا: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ يقولون: أزاغت أبصارنا عنهم فلا ندري أين هم). وقيل (أم) بمعنى (بل) أي بل زاغت عنهم أبصارنا لخفاء مكانهم علينا في النار، أو التقدير بل زاغت عنهم أبصارنا لكونهم في دار أخرى وهي دار النعيم.
التأويل الثاني: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا﴾ في موضع الخبر عن أولئك الرجال الذين ظنهم المشركون أشرارًا وأخبروا أنهم سخروا منهم فأين هم في النار اليوم لا نراهم؟.
فعن مجاهد، يقول: (أهم في النار لا نعرف مكانهم). قال القاسمي: (قرئ بلفظ الإخبار على أنه صفة لـ ﴿رِجَالًا﴾ وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ أي مالت عنهم كبرًا وتنحّت عنهم أنفة).
التأويل الثالث: أين أولئك الذين اتخذناهم سخريًا وزاغت أبصار القوم عنهم في الدنيا احتقارًا وازدراءً؟. فعن الحسن قال: (كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريًا، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم).
قلت: وهذه الأوجه من التأويل تعود لاختلافهم في القراءة لقوله: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾. فقد قرأه عامة قراء المدينة والشام ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾ بالاستفهام وفتح الألف. في حين قرأه