التأويل الثاني: أي عند الموت. فعن الحسن قال: (يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين).
التأويل الثالث: أي بعد الموت وقبله. قال الفراء: (بعد الموت وقبله). وقال القرطبي: (أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ أي في المستأنف أي إذا أخذتكم سيوف المسلمين).
التأويل الرابع: أي يوم بدر. فعن السدي في قوله: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ قال: (يوم بدر).
التأويل الخامس: يوم القيامة. فعن ابن زيد قال: (يوم القيامة يعلمون نبأ ما كذّبوا به بعد حين من الدنيا وهو يوم القيامة وقرأ ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قال: وهذا أيضًا الآخرة يستمرّ فيها الحق ويبطل الباطل). واختار هذا التأويل الحافظ ابن كثير.
قلت: ويبدو أن الآية عامة مطلقة، فلا حدّ للحين عند العرب، فمن المشركين من رأى صدق هذا الوحي وهذا النبي عند الموت، ومنهم من عاينه في الحياة الدنيا، ومنهم من أبصره يوم بدر فعلم ذلك لما لاقى الهلاك وسيوف الأصحاب الكرام، ومنهم من كلمهم رسول الله - ﷺ - في القليب بعدما جيّفوا فأسمعهم الله كلامِ نبيّه وهو يذكرهم ما كان يحذرهم منه، ومنهم من أبصره يوم فتح مكة، ومنهم من أُخِّر علمه بذلك إلى يوم القيامة يوم لا تنفع الندامة. واختار ابن جرير كون الآية مطلقة وذكر أثرًا عن عكرمة حيث يقول: (سُئلت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلى حين. فقلت: إن من الحين حينًا لا يُدرك ومن الحين حينٌ يُدرك، فالحين الذي لا يدرك قوله: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾، والحين الذي يُدرك قوله: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ وذلك من حين تُصرم النخلة إلى حين تُطْلِع وذلك ستة أشهر).
ولا شك أن هذه الآية الكريمة من المعجزات القرآنية، ومن الغيبيات التي لا يملك أحد الاطلاع عليها إلا الله، فإذا كشفها سبحانه لنبيّه لينذر بها قومه، فهذا من أعظم الأدلة على نبوة محمد - ﷺ -.
قال القاسمي: (﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ أي عند ظهور الإسلام وانتشاره، ودخول الناس فيه أفواجًا أفواجًا، من صحة خبره، وإنه الحق والصدق. وهذا من أجلّ


الصفحة التالية
Icon