وقوله: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾. قال قتادة: (شهادة أن لا إله إلا الله).
قلت: فالإخلاص شطر العمل الصالح المتقبل، والصواب وموافقته الحق والسنة شطره الثاني، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، من عملَ عملًا أشركَ فيهِ معي غيري تركتُه وشِركَهُ] (١).
وعند الترمذي بسند حسن عن أنس عن النبي - ﷺ - قال: [قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ! إنكَ ما دَعْوتَني ورجوتني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبكَ عَنانَ السماء ثم استغفرتني غفرتُ لكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ! لو أنكَ أتَيْتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تُشْرك بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرة] (٢).
ورواه الطبراني عن أبي الدرداء وسنده صحيح ولفظه: [قال الله تعالى: يا ابن آدم! مَهْما عَبَدْتَني ورَجَوْتَني ولمْ تُشرك بي شيئًا غفرتُ لكَ على ما كانَ مِنْكَ، وإن استقبلتني بملءِ السماءِ والأرضِ خطايا وذنوبًا استقبلتُكَ بملئهِنَّ منَ المغفرةِ، وأغفرُ لكَ ولا أُبالي] (٣).
وروى مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقِول: [إنَّ أولَ الناس يُقضى يومَ القيامةِ عليهِ رجلُ استُشهد، فأُتِيَ بهِ، فعرَّفه نِعَمَه، فَعَرَفها، قال: فما عمِلْتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيكَ حتى استُشْهِدتُ. قال: كَذَبْتَ، ولكنَّكَ قاتلت لأن يقال: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ بهِ فَسُحِبَ علىِ وِجهِهِ حتى أُلْقِيَ في النَّار. ورجلٌ تعلَّمَ العلمَ وعَلَّمَهُ، وقرأ القرآنَ، فَأُتِيَ بهِ، فَعَرَّفهُ نِعَمَهُ فعرفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعَلَّمْتُهُ، وقرأتُ فيكَ القرآن، قال: كَذَبْتَ، ولكنَّكَ تعلّمتَ ليقالَ: عالمٌ، وقرأت القرآنَ ليقالَ: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ بهِ فسُحبَ على وجهِهِ حتى أُلقيَ في النار. ورجلٌ وسّع الله عليه، وأعطاهُ من أصنافِ المال، فاُتِيَ بهِ، فعرّفهُ نِعَمَهُ فَعَرَفها، قال: فما عمِلْتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أن يُنفَقَ فيها إلا أنْفَقْتُ فيها لكَ، قال: كذبتَ، ولكنَّكَ فعلتَ ليقالَ هو جواد، فقد قيلَ، ثم
(٢) حديث حسن. أخرجه الترمذي (٣٥٤٠). انظر صحيح سنن الترمذي (٢٨٠٥).
(٣) حديث صحيح. أخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء. وله شاهد في مسند أحمد (٥/ ١٥٤).
وانظر تخريج: "المشكاة" (٣٣٦٥)، وصحيح الجامع (٤٢١٧).