إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسقون المطر، فعبدوهم).
قلت: فهذا أصل الشرك بدأ بصور، ثم انتهى بصرف العبادة لغير الله، ثم صار دينًا في قلوب كثير من الناس، احتجوا به على الرسل والأنبياء وعاندوهم، وإنما استزلهم الشيطانُ ببعض ما كسبوا. ولهذا قال سبحانه عنهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾. قال قتادة: (كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم؟ ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا الله، فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأصنام؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده). قال الكلبي: (جواب هذا الكلام في الأحقاف: ﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً﴾ والزلفى القربة) ذكره القرطبي.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾. قال القاسمي: (أي عند حشر معبوداتهم معهم، فيقرن كلًّا منهم مع من يتولاه، من عابد ومعبود. ويدخل المبطل النار مع المبطلين، كما يدخل المحق الجنة مع المحقين، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ لا يوصله إلى النجاة ومقر الأبرار). أي فاللهُ يحكم بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلًّا بما يستحقُ، كما قال جل ثناؤه في سورة الأنعام: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾. وكما قال في سورة سبأ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾. تنزيةٌ لهُ - جلّت عظمته - أن يكون له ولد، فهو الغني لا يحتاجُ إلى أحدٍ من خلقهِ، بل الكل مفتقر إلى هديهِ وتوفيقهِ ورحمته.
قال ابن جرير: (لو شاء الله اتخاذ ولدٍ، ولا ينبغي له ذلك، لاصطفى مما يخلق ما يشاء. يقول: لاختار من خلقهِ ما يشاء. ﴿سُبْحَانَهُ﴾ هو الذي يعبدهُ كل شيء ولو كانَ له ولد لم يكن له عبدًا فالأشياء كلها له ملك فَأَنَّى يكون لهُ ولدٌ وهو الواحد الذي لا شريكَ لهُ في ملكه وسلطانهِ والقهار لخلقهِ بقدرتهِ، فكل شيء لهُ متذلِّلٌ ومن سطوته خاشع). قلت: إن الاشتراك بين صانعين في إتقان صنعة، يوزعُ الثناء بينهما، فلو أنجزها أحدهما لأخذ الثناء كله، فكيف بالإنسان يحب ذلكَ لنفسهِ ويرضى شريكًا لخالقهِ، فيقسم الثناء والحمد، فتعالى الله عما تتصور عقول المشركين علوًا كبيرًا،