الأمر الأول: سماع الميت خفق نعال أصحابه إذا وُضع في قبره.
وهذا سماعٌ محدود بخفق النعال كما ورد في النص الصحيح، لا يتعداه إلى غيره من الأصوات من الناس أو معرفتهم أو سماع حديثهم.
ففي مسند أحمد وسنن أبي داود ومستدرك الحاكم من حديث البراء مرفوعًا: [فيردُ إلى الأرض وتعاد روحه في جسده. فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين. فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ ] الحديث (١).
الأمر الثاني: سماع قتلى بدر توبيخ النبي - ﷺ - لهم.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أوقف النبي - ﷺ - على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول. فَذُكِرَ لعائشة، فقالت: إنما قال النبي - ﷺ -: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق. ثم قرأت: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ حتى قرأت الآية... ] (٢).
قلت: فمفهوم كلام عائشة رضي الله عنها أن ذلك التكليم كان خاصًا برسول الله - ﷺ -، وأن الله أراد أن يخزي الطغاة الذين قتلوا يوم بدر، ولذلك أكد رسول الله - ﷺ - ذلك بقوله: "إنهم الآن يسمعون" ويدركون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم ختمت عائشة كلامها بالأصل المعروف، فقرأت الآية. ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾. ثم إن هذا المعنى يُستَنْبَطُ من قول عمر: (يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها).
وفي رواية مسلم: (يا رسول الله كيف يسمعون وأنّى يجيبوا وقد جَيَّفُوا). فأجابه عليه الصلاة والسلام بما يُفْهَمُ أنه خاص بهم، فقد أراد الله أن يسمعهم توبيخ نبيّه لهم وقد كذبوا به من قبل، فقال: (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا).
قال قتادة: (أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا وَنَقِمَةً وحسرة وندمًا) رواه البخاري (٣).

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٢/ ٢٨١)، والحاكم (١/ ٣٧ - ٤٠)، وأحمد (٤/ ٢٨٧)، (٤/ ٢٩٥ - ٢٩٦)، والطيالسي (رقم ٧٥٣)، والنسائي (١/ ٢٨٢)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٣٩٨٠)، (٣٩٨١) - كتاب المغازي.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٣٩٧٦) - كتاب المغازي. وكتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (١/ ٥٩٥ - ٥٩٦).


الصفحة التالية
Icon