وقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ الآية.
قال ابن كثير: (أي: هذا المقبلُ على اللهو واللعب والطَّرب، إذا تُليت عليه الآيات القرآنية ولّى عنها وأعرضَ وأدبرَ وتصامَّ وما به من صَمَم، كأنَّه ما يسمعها، لأنه يتأذى بسماعها، إذْ لا انتفاِعَ له بها، ولا أرَبَ له فيها ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، أي: يوم القيامة، يؤلمه كما تألم بسماعِ كِتاب الله وآياتِه). وعن مجاهد: ﴿فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ قال: ثِقلًا).
٨ - ٩. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)﴾.
في هذه الآيات: ذكر مقام أهل السعادة في الدار الآخرة، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فهم يومئذ خالدون في بساتين النعيم، يتقلبون في ملذاتها وَعْدُ العزيز الحكيم.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا﴾. قال القرطبي: (لما ذكر عذاب الكفار ذكر نعيم المؤمنين). قال ابن كثير: (هذا ذكرُ مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وعملوا الأعمال الصالحة المتابعة لشريعة الله، ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾، أي: يتنعَّمون فيها بأنواع الملاذِّ والمَسَارّ، من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمراكب، والنساء والنَّظْرَةِ والسماع الذي لم يَخْطُر ببال أحد، وهم في ذلك مقيمون دائمًا فيها، لا يَظْعَنُون ولا يبغون عنها حِولًا).
وقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾. أي: كائن ذلك لا محالة فهو وعد الله الكريم. قال النسفي: (مصدران مؤكدان، الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره، إذ ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ في معنى: وعدهم الله جنات النعيم. فأكد معنى الوعد بالوعد، و ﴿حَقًّا﴾ يدل على معنى الثبات، فأكّد به معنى الوعد ومؤكدهما ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾.
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. أي: الغالب القاهر كل شيء، الذي قد عزّ كل شيء فقهره، ﴿الْحَكِيمُ﴾: العالم صاحب الحكمة المتقن لجميع الأمور، فهو الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.