ورواه ابن أبي حاتم - ورجاله رجال البخاري ومسلم - من حديث سعيد بن وهب قال: [قَدِمَ علينا مُعاذ بن جبل، وكان بعثه النبي - ﷺ -، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني رسولُ رسولِ الله - ﷺ - إليكم: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تطيعوني لا آلوكُم خيرًا، وإنَّ المصيرَ إلى الله، وإلى الجنة أو إلى النار، إقامَةٌ فلا ظَعَنٍ، وخلودٌ فلا موتٌ] (١).
وقوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
أي: وإن حملاك على مخالفة الدين الحق دين التوحيد إلى دين الجاهلية دين الشرك وتعظيم الطواغيت فلا تتابعهما على ذلك، واحتفظ بحسن الصحبة لهما.
وفي الصحيحين عن أسماءَ بنت أبي بكر رضي الله عنهما: [قلت: قَدِمَتْ علَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رسول الله - ﷺ - فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ الله - ﷺ -، قلتُ: إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وهي راغبةُ، أفاصِلُ أُمِّي؟ قال: نعم. صِلي أُمَّكِ] (٢).
وقوله: "وهي راغبة": قال ابن عطية: (والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها).
ففي الآية مع هذا الحديث دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين.
وقوله: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾. أي: واتبع سبيل المؤمنين في دينك. قال قتادة: (أي من أقبل إليّ). وقال ابن عطاء: (صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي).
وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
أي: ثم المرجع والمآل إلى الله، فيجازي كلًا بعمله: المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٦٢٠) - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها. باب الهدية للمشركين. ورواه مسلم (١٠٠٣)، وأبو داود (١٦٦٨)، من حديث أسماء. وأم أسماء هي قُتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد. وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رُومان قديمة الإسلام.