وقوله: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾. قال يزيد بن أبي حبيب: (﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ من السرعة. ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ يقول: واخفض من صوتك، فاجعله قصدًا إذا تكلمت). قال قتادة: (أمره بالاقتصاد في صوته). والمعنى: نهاه عن المبالغة في الكلام، ورفع الصوت فيما لا فائدة فيه.
وقوله: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾.
قال قتادة: (أي: أقبح الأصوات لصوت الحمير، أوّله زفير، وآخره شهيق، أمره بالاقتصاد في صوته). وقال عكرمة: (﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾: أشرّ الأصوات). وقال ابن زيد: (لو كان رفع الصوت هو خيرًا ما جعله للحمير). وخلاصة المعنى كما قال ابن كثير: (أي: غاية مَنْ رفعَ صوته أنه يُشَبَّهُ بالحمير في عُلُوِّهِ ورفعِه، ومع هذا هو بغيضٌ إلى الله تعالى).
وقال النسائي في كتاب "التفسير"- عند تفسير هذه الآية:
حدثنا قتيبةُ بنُ سعيد، حدثنا الليث، عن جَعْفَر بن ربيعة، عن الأعْرَجِ، عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - أنه قال: [إذا سمعتم صياحَ الدِّيكة فاسألوا الله من فَضْلِه، وإذا سمعتم نهيقَ الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنها رأت شيطانًا] (١).
٢٠ - ٢٤. قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)﴾.
في هذه الآيات: امتنانُ الله تعالى على العباد تسخيره لهم ما في السماوات وما في

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٣٠٣)، ومسلم (٢٧٢٩)، وأخرجه أبو داود (٥١٠٢)، والترمذي (٣٤٥٩)، والنسائي في "التفسير" (٤١١).


الصفحة التالية
Icon