وقوله: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾. قال ابن كثير: (إذ قامت عليهم الحجة باعترافهم). وقال النسفي: (إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر، وأن لا يعبد معه غيره). وقيل: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على ما هدانا له من دينه، وليس الحمد لغيره. قلت: وكل ذلك يدخل تحت مفهوم الآية.
وقوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. قال النسفي: (أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا). وقال ابن جرير: (يقول: بل أكثر هؤلاء المشركون لا يعلمون من الذي له الحمد، وأين موضع الشكر).
وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
أي: بل كل ما في السماوات والأرض ملك لله، وهو الغني عن عبادة هؤلاء المشركين، ﴿الْحَمِيدُ﴾ يعني المحمود على نعمه التي أنعمها على خلقه وفي الأمور كلها ولو كره المشركون.
وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾.
أي: ولو أن جميع ما في الأرض من أشجار جعلت أقلامًا، وجعل البحر مدادًا وأمدَّه سبعة أبحر معه، لكتابة كلمات الله التامة وأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، لتكسرت الأقلام، ونفِدَ ماء البحار عجزًا عن إحصاء ذلك.
وعن قتادة قال: (قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، قال: لو كان شجر البَرِّ أقلامًا، ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه). وعن الحكم قال: حدثنا عمرو: (﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ قال: لو بريت أقلامًا والبحر مدادًا، فكتب بتلك الأقلام منه ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ ولو مدّه سبعة أبحر).
وقال الربيع بن أنس: (إنّ مَثَل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البُحُور كُلِّها، وقد أنزل الله ذلك: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾... الآية. يقول: لو كان ذلك البحرُ مدادًا لكلمات الله، والشجر كلّها أقلامًا، لانكسرت الأقلام، وفني ماءُ البحر، وبقيت كلمات الله قائمة لا يُفنيها شيءٌ، لأنَّ أحدًا لا يستطيع أن يقدُر