الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (١٨)}.
في هذه الآيات: يقول جل ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون عن هذه الحجة التي بينتها لهم -يا محمد- فقل أنذرتكم صاعقة تهلككم كما أهلكت عاد وثمود الذين كذبوا المرسلين، واستكبروا في الأرض وطغوا وكانوا ظالمين، فأهلكت عاد بالريح وثمود بالصاعقة وكتب اللَّه النجاة للمتقين.
فقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾.
الصاعقة: كل ما أفسد الشيء وغَيَّره عن هيئته. قال الرازي: (الصاعقة: نارٌ تسقط من السماء في رَعْد شديد. والصاعقة أيضًا صيحة العذاب). قال قتادة: (يقول أنذرتكم وقيعة مثل وقيعة عاد وثمود. قال: عذاب مثل عذاب عاد وثمود).
وقوله: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾.
قال ابن عباس: (الرسل التي كانت قبل هود، والرسل الذين كانوا بعده، بعث اللَّه قبله رسلًا، وبعث من بعده رسلًا). قال ابن كثير: (أي في القرى المجاورة لبلادهم، بعث اللَّه إليهم الرسل يأمرون بعبادة اللَّه وحده لا شريك له، ومُبشِّرين ومُنذرين، ورأوا ما أحَلَّ اللَّه بأعدائه من النِّقم، وما أَلْبَسَ اللَّه أولياءه من النِّعم، ومع هذا ما آمنوا ولا صدّقوا، بل كذبوا وجحدوا). والآية كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ [الأحقاف: ٢١].
وقوله: ﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾.
قال ابن جرير: (فقالوا لرسلهم إذ دعوهم إلى الإقرار بتوحيد اللَّه: لو شاء ربنا أن نوحده.. لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلا.. ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا، ولكنه رضي عبادتنا ما نعبد فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملائكة ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ -قالوا لرسلهم: فإنا بالذي أرسلكم به ربكم إلينا جاحدون غير مصدقين به-).
وقوله: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. قال النسفي: (أي تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم وهو القوة وعظم الأجرام، أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية).
وقوله: ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾. قال القرطبي: (اغتروا بأجسامهم حين تهدّدهم