فقوله: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ﴾. أي: اذكر يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك خزي ذلك اليوم على الكفار، يوم يفرزون في الحشر باتجاه النار.
وقوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾. قال ابن عباس: (يدفعون). وقال السدي: (يحبَسُ أوّلهم على آخرهم). أي تجمع زبانية العذاب أولهم على آخرهم. قال النسفي: (أي يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، وأصله من وزعته أي كففته).
قلت: يُستوقفون ليتلاحقوا ويجتمعوا فيها، كما اجتمعوا في الدنيا على الكذب، فاليوم تجمعهم نار جهنم، وفي وصفهم بأعداء اللَّه مبالغة في ذمهم.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. ﴿مَا﴾ في قوله ﴿مَا جَاءُوهَا﴾ مزيدة للتأكيد، والمقصود: حتى إذا صاروا بحضرتها أو وقفوا عليها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما قدموه وأخروه.
قال الرازي: (فاللَّه سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس: وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكرَ نوعين، وهما الذوق والشم، فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه.. وكذلك الشم).
فالذوق يحصل عندما تكون جلدة اللسان مماسة للطعام فهو نوع من اللمس، وكذلك الشم يحصل عندما تكون جلدة الحنك مماسة للشيء المشموم وهي نوع من اللمس أيضًا.
وأما الجلود فهي الجلود المعروفة، في قول أكثر المفسرين. وقيل: (أراد بالجلود الفروج) ذكره السدي. وقال الحكم الثقفي: (إنما عنى فروجهم ولكنه كنى بها)، والأول أرجح وأشمل.
قال الشوكاني: (لأن ما يشهدُ الفرجُ من الزنا أعظم قبحًا وأجلب للخزي والعقوبة).
وأما قوله جل ذكره: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ -فقد جاء- في تفسيره حديث صحيح.
فقد روى مسلم وأحمد عن أنس رضي اللَّه عنه قال: [ضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألون مِمَّ ضحكت؟ قالوا: ممّ ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال: عجبت من مجادلة العبد ربَّه يوم القيامة! قال: يقول العبد يوم