وعن السدي: (﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ أي تستخفون منها). قال مجاهد: (تتقون). أي: وما كنتم تستخفون فتتركون ركوب المحرمات والمآثم في الدنيا حذرًا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم، ولكن حسبتم حين ركبتم ذلك في الدنيا أن اللَّه يخفى عليه كثيرًا مما تعملون.
وعن السدي: (قوله: ﴿أَرْدَاكُمْ﴾ قال: أهلككم). وعن الحسن قال: (إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم، فأما المؤمن فأحسن باللَّه الظن، فأحسن العمل، وأما الكافر والمنافق، فأساءا الظن فأساءا العمل. قال ربكم: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ﴾ حتى بلغ ﴿الْخَاسِرِينَ﴾).
قلت: ولقد كانت هذه الآيات العظيمة تهديدًا لقريش إذا استمرت في تشكيكها وتكذيبها واستهزائها بصفات اللَّه، أن يحصل لها من الخزي في ذلك اليوم الموعود ما حكاه اللَّه وأنزله على المؤمنين ليتلوه إلى يوم القيامة.
وقوله ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾. كقوله تعالى: ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. أي: سواء عليهم أصبروا أم لم يصبروا، فإن النار مأواهم ومستقرهم لا محيد عنها ولا أمل لهم في الخروج منها.
وقوله: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾. قال القرطبي: (أي طلبوا الرضا لم ينفعهم ذلك بل لا بد لهم من النار). وقيل: (وإن يستقيلوا ربهم فما هم من المقالين). قال ابن جرير: (وإن يسألوا العُتبى وهي الرجعة لهم) -أي إلى الدنيا، فلا جواب لهم. قال ابن كثير: (وإن طلبوا أن يستعتبوا ويُبْدوا أعذارًا فما لهم أعذار، ولا تُقال لهم عثرات).
قلت: وفي لغة العرب، استعتبه: أي استرضاه. والمقصود: وإن حاولوا التماس رضى اللَّه تعالى بالإقرار بالذنب والندم، وطلبوا فرصة أخرى لِيُعَدِّلُوا طريقهم ومنهاج عبادتهم لم يجابوا لذلك، بل كان الجواب كما قال تعالى إخبارًا عنهم: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٦ - ١٠٨].

= الترمذي (٣٢٤٨)، وكذلك ابن حبان (٣٩٠)، وانظر التفصيل في المرجع السابق. وانظر الصحيح المسند من أسباب النزول -الوادعي- سورة فصلت، آية (٢٢).


الصفحة التالية
Icon