الشمسُ والقمرُ أحسنَ الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبَّهَ تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده، تحت قهره وتسخيره، فقال: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾، أي: ولا تشركوا به، فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يُشرك به).
وفي الصحيحين عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: [قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتسجد تحتَ العرش، ثم تستأمر فيوشِكُ أن يُقالَ لها: ارجعي من حيث جئت] (١).
وقوله: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ أي: فإن استكبر المشركون عن السجود للَّه وإفراده بالتعظيم فإن الملائكة لا يفترون عن السجود له تعالى وتعظيمه بالليل والنهار. قال ابن عباس: (يقول: عبادي ملائكة صافون يسبحون ولا يستكبرون). قال القرطبي: (﴿وَلَا يَسْأَمُونَ﴾ أي لا يملون عبادته).
وفي سنن ابن ماجة والترمذي بسند حسن عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إني أرى ما لا تَرَوْن، وأسْمَعُ ما لا تسمعون. إن السَّماء أَطَّت وحقَّ لها أن تئِطَّ. ما فيها موضع أربعِ أصابع إلا وملك واضِعٌ جبهتَه ساجدًا للَّه] (٢).
وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾. أي: هامدة ميتة لا نبات فيها. قال قتادة: (أي: غبراء متهشمة). وقال السدي: (يابسة متهشمة).
وقوله: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾. قال مجاهد: (﴿اهْتَزَّتْ﴾ بالنبات ﴿وَرَبَتْ﴾ يقول: انتفخت). قال القرطبي: (فربوُّها ارتفاعها. قال: فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولًا وعرضًا). والربوة والرابية في كلام العرب الموضع المرتفع.
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. أي: ومن آياته الدالة على قدرته على إعادة الموتى إحياؤه تعالى الأرض الجدبة القاحلة اليابسة بالماء ينزل
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٤١٩٠) - كتاب الزهد. باب الحزن والبكاء. انظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٣٧٨). ورواه أحمد والترمذي نحوه. انظر السلسلة الصحيحة (١٠٥٩) - (١٠٦٠).