وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾. الجواري: جمع جارية، وهي السائرة في البحر. قال مجاهد والسدي: (الجواري: السفن). وعن مجاهد: (﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ قال: كالجبال).
وقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾. قال قتادة: (سفن هذا البحر تجري بالريح، فإن أمسكت عنها الريح ركدت). قال ابن عباس: (﴿فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ يقول وقوفًا). وقال السدي: (لا تجري).
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾. أي: إن في جري هذه السفن في البحر بقدرة اللَّه وتسخيره الريح لعبرة وحجة تدل على وجوب تعظيمه تعالى وحده لا شريك له، وإنما يستفيد من ذلك كل ذي صبر على طاعة اللَّه، ﴿شَكُورٍ﴾ لنعمه وأياديه عنده.
وقوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾. قال ابن عباس: (﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ يقول: يهلكهن). قال قتادة: (﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ أي بذنوب أهلها). والمقصود: يهلكهن بالغرق. وجزم ﴿يُوبِقْهُنَّ﴾ عطفًا على ﴿يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾. والمعنى: أو يهلك هذه السفن بإغراقها وأهلها بما كسبت ركبانها من الذنوب، واجترحوا من الآثام.
وقوله: ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾. أي: وإنما يصفح تعالى ويتجاوز بعفوه وكرمه عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها.
وقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾. قال السدي: (ما لهم من ملجأ). أي: ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- من المشركين في حججه وآياته ووحيه العزيز أن لا محيدَ لهم عن بأسنا ونقمتنا، فإنهم مقهورون بقدرتنا، ما لهم من ملجأ يلجؤون إليه إذا حَلَّ بهم عذابنا.
وقوله: ﴿مَحِيصٍ﴾ مأخوذ من قولهم: فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه. وحاص به البعير حيصة إذا رمى به. قال الرازي: (حاص عنه: عدل وحاد. يقال ما عنه ﴿مَحِيصٍ﴾ أي محيد ومَهْرب).
وقرأ قراء المدينة: ﴿وَيَعْلَمَ﴾ بالرفع على الاستئناف. في حين قرأها قراء الكوفة والبصرة ﴿وَيَعْلَمَ﴾ بالنصب على العطف على تعليل مقدر، أو على إضمار "أن". والتقدير: وليعلم أو لأن يعلم. واللَّه تعالى أعلم.