عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)}.
في هذه الآيات: ثناء اللَّه تعالى على إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم- إمام الموحدين، فقد دعا قومه إلى الحق ثم فاصلهم على منهج التوحيد وإفراد اللَّه تعالى بالعبادة والتعظيم. وذمُّ اللَّه المشركين من العرب الذين ضيّعوا ملة إبراهيم، وقد احتج سبحانه بهذه الآيات المكية على مشركي قريش سوء فهمهم للقدر، وأنه سبحانه وتعالى وحده قاسم الرزق والأجل، وأنَّ ما قدَّره سبحانه من الرزق بين عباده كان بالحكمة والعدل، ولو شاء بسط الرزق والمال للكافرين بطريقة تفتن العقل والقلب والنظر، ولكن رحمة بالمؤمنين ألا يفتنوا عن دينهم إذا رأوا أهل البغي وقد عجلت لهم الخيرات في الدنيا فيتركوا العمل، ويصيبهم العجز وحب الدنيا والكسل، ويتركوا العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجتاحهم الكلال، وإلا فإن الدنيا لا تزن عند اللَّه جناح بعوضة ومن أجل هذا أعطاها للكافر الذي دمَّره الأشر والبطر.
فقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾.
قال قتادة: (كايدهم، يقول: إنني بريء مما تعبدون). وقال القاضي: (﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾: أي اذكر وقت قوله هذا، ليروا كيف تبرّأ عن التقليد وتمسّك بالدليل). و"بَراءٌ": مصدر، أريد به معنى الوصف مبالغة، والمقصود: أراد إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم- إظهار البراءة الكاملة من عبادتهم ومعبودهم.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾. قال النسفي: (استثناء منقطع، كأنه قال لكن الذي فطرني ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ يثبتني على الهداية).
وقوله: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾. قال مجاهد: (لا إله إلا اللَّه). وقال قتادة: (شهادة أن لا إله إلا اللَّه، والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده). وفي رواية قال: (التوحيد والإخلاص، ولا يزال في ذريته من يُوَحِّدُ اللَّه ويعبده). وعن ابن عباس: (﴿فِي عَقِبِهِ﴾: يعني من خلفه). قال مجاهد: (ولده). وقال السدي: (في