فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾.
أصل الفتور الضعف، أي لا يخفف عن المجرمين عذاب جهنم وهم فيه ماكثون.
وقوله: ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ قال قتادة: (آيسون: مستسلمون). أي وهم في حالة إياس من كل خير.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾. أي: وما ظلمناهم بالعذاب ولكن هم ظلموا أنفسهم بالشرك والإصرار على المعاصي والآثام. قال ابن كثير: (﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ أي: بأعمالهم السيئة بعد قيام الحُجَج عليهم وإرسال الرسُل إليهم، فكذّبوا وعَصَوا، فَجُوزُوا بذلك جزاء وفاقًا وما ربك بظلام للعبيد).
وقوله: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾. مالك: خازن جهنم، ناداه أهل النار: ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي: ليقبِضْ أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه.
وفي صحيح البخاري عن عطاء، عن صَفْوانَ بنِ يَعْلى، عن أبيه قال: [سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ على المِنْبَرِ: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾] (١).
وقوله: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾. هو جواب مالك لهم حين سألوه الموت والخلاص.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦]
٢ - وقال تعالى: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى: ١١ - ١٣].
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إذا صارَ أَهْلُ الجنَّةِ إلى الجَنَّةِ وأَهْلُ النار إلى النار جِيءَ بالموت حتى يُجْعَلَ بين الجنة والنار، ثم يُذْبَحُ، ثم ينُادي مُنادٍ: يا أهلَ الجنة لا مَوْتَ، يا أهلَ النار لا مَوْتَ، فيزداد أهلُ الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزدادُ أهلُ النار حُزْنًا إلى حُزْنِهم] (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾. أي: لقد أقمنا عليكم
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٣٤٨) - كتاب الرقاق، وكذلك (٦٥٤٤)، ورواه مسلم.