وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾. أي: إن هذا العذاب -معشر الكفار- اليوم، هو الذي كنتم تشكون به في الدنيا فتختصمون فيه ولا توقنون بحدوثه، فها هو اليوم يمس جلودكم ويلفح وجوهكم فذوقوه وأيقنوا.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٣ - ٤٤].
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [يُؤتى بالعبد يومَ القيامة فيقول له: ألمْ أجعلْ لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسَخَّرْت لك الأنعام والحَرْثَ، وتَركْتُكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ فكنت تظنّ أنَّك مُلاقِيَّ يَوْمكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني] (١).
قال أبو عيسى: (ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب، وكذا فسّر بعض أهل العلم هذه الآية: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] قالوا: معناه: اليوم نتركهم في العذاب).
٥١ - ٥٩. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (٥٣) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلَا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)﴾.
في هذه الآيات: نَعْتُ مقام المتقين بعد نَعْت مقام المجرمين، فالمتقون في جنات وعيون ولباس من حرير ويجلسون متقابلين، وقد زوجهم ربهم بالحور العين، فهم