وقوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾. قال مجاهد: (لا يبالون نِعَم اللَّه، أو نِقم اللَّه. وهذه الآيات منسوخة بأمر اللَّه بقتال المشركين).
والمقصود: كان الأمر من اللَّه للمؤمنين ابتداء الإسلام أن يصفحوا عن أذى المشركين ويصبروا على تماديهم، من باب التأليف لهم، فلما أصَرُّوا على العناد ورضي اللَّه عن إعداد المؤمنين شرع لهم الجلاد والجهاد. قال أبو صالح: (نسختها التي في الحج: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾). وقال ابن زيد: (هؤلاء المشركون، وقد نسخ هذا وفرض جهادهم والغلظة عليهم).
وعن قتادة: (﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال: نسختها ما في الأنفال: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ وفي براءة: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه).
وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. أي: ليجزي بالمغفرة قومًا مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم مقابل إحسانهم. فتنكير ﴿قَوْمًا﴾ على المدح لهم.
وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.
أي: من عمل بطاعة اللَّه فانتهى إلى أمره وانزجر لنهيه فإنما يخص بذلك الخير نفسه ويقدمها لسعادتها، ومن أساء في عمله وأسخط ربه فإنما يرتد ذلك على نفسه فيقدمها لشقاوتها، والمرجع إلى اللَّه تعالى لتوضع الأعمال على الميزان بين يديه. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨].
وأخرج الحاكم بسند جيد عن سلمان، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: [يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب: لِمَنْ يزن هذا؟ فيقول اللَّه تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك] (١).
١٦ - ٢٠. قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ