وقوله: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
قال ابن جرير: (فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال اللَّه إياه ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أيها الناس، فتعلموا أن من فعل اللَّه به ما وصفنا فلن يهتدي أبدًا).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: ٣٤].
قلت: والآية دليل على المرتبة الثانية من مراتب الضلال. فإن مراتب الضلال ثلاث:
١ - الضياع والانحراف.
٢ - الترك والإهمال والتناسي والخذلان.
٣ - الهداية إلى النار يوم القيامة.
فمن ضيَّع هداية الدلالة والإرشاد -هداية الرسل- وأصرَّ على معاندة الحق وتعظيم الهوى والشهوات، وقع في الإهمال والخذلان: عقوبة اللَّه تعالى له.
وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب اشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منْكرًا إلا ما أشرب من هواه] (١).
٢٤ - ٢٦. قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا