فهو ميزان دقيق ذو كفتين، عالي الحساسية والدقة، يعطي الوزن الدقيق الصحيح لكل عمل حسب قيمته وظروف القيام به، فهو يزن أعمالًا صالحة هي عند اللَّه أثقل من الجبال، كما يزن أعمالًا فاسدة هي عند اللَّه ضخمة الأثقال.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم. ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قال: نعم، الملائكة يَسْتَنْسِخون أعمال بني آدم).
أخرج الآجري في "الشريعة" بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ أوَّلَ شيءٍ خَلَقَهُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: القلمُ، فَأَخَذهُ بيمينِه -وكلتا يديه يمينٌ- قال: فكتبَ الدنيا وما يكونُ فيها من عملٍ معمولٍ: بَرٍّ أو فجورٍ، رَطْبٍ أو يابِسٍ، فأحصاه عندَه في الذِّكر، ثم قال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فهل تكونُ النسخةُ إلا مِنْ أمْرٍ قد فُرِغَ منه] (١).
٣٠ - ٣٧. قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٤) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)﴾.
في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن افتراق الأمم يوم القيامة إلى فريقين: أما أهل الإيمان والعمل الصالح على منهاج النبوة فهم أهل رحمة اللَّه يدخلهم في جنته برحمته،