فآمن واستكبرتم عن الإيمان فما ظنكم أن اللَّه صانع بكم؟ ! إن اللَّه لا يوفق للهداية القوم الظالمين.
قال النسفي: (﴿عَلَى مِثْلِهِ﴾ الضمير للقرآن، أي مثله في المعنى، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن: من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك. ويجوز أن يكون المعنى: إن كان من عند اللَّه وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك يعني من عند اللَّه).
وعن مسروق: (﴿فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ قال: فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه، وكفرتُم أنتم بنبيكم وكتابكم). أي: فآمن عبد اللَّه بن سلام بنبيه وكتابه ثم صدق بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- والوحي الجديد معه، وكفرتم أنتم باستكباركم.
فائدة: قد تكون هذه الآية مدنية مستثناة من السورة، لأن إسلام عبد اللَّه بن سلام كان بالمدينة، وقد تكون الآية نزلت قبل ذلك بمكة من باب الإخبار قبل الوقوع واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾.
قال قتادة: (قال ذاك أناس من المشركين: نحن أعز، ونحن، ونحن، فلو كان خيرًا ما سبقنا إليه فلان وفلان، فإن اللَّه يختص برحمته من يشاء).
والمقصود: ذهب المشركون في ضلالهم أن القرآن لو كان خيرًا ما سبقهم إليه عمار وبلال وصهيب وخباب وأمثالهم من المستضعفين والعبيد والإماء، فقد أبرق لهم الشيطان أن لهم وجاهة عند اللَّه ومكانة يفضلهم بها بما هو لائق. وكذبوا فيما ذهبوا إليه، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]. قال ابن كثير: (أي: يَتَعَجَّبُونَ كيف اهتدى هؤلاء دوننا. ولهذا قالوا: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾، وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بِدْعةٌ، لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركُوا خصلةً من خِصَال الخير إلا وقد بادروا إليها).
وقوله: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾.
قال ابن جرير: (-يقول-: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند اللَّه من الهدى فيرشدوا به الطريق المستقيم فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أكاذيب من أخبار الأولين قديمة).


الصفحة التالية
Icon