يستمدوا بهم، امتناع الاستمداد بالضال، ففي ﴿ضَلُّوا﴾ استعارة تبعية).
وقوله: ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾. قال النسفي: (﴿وَذَلِكَ﴾ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على اللَّه الكذب).
٢٩ - ٣٢. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٢)﴾.
في هذه الآيات: خبرُ لقاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع فريق من الجن -وقد حيل بينهم وبين استراق السمع من السماء- فاستمعوا القرآن وأنصتوا له ورجعوا إلى قومهم منذرين. فإلى تفصيل ذلك:
إنّ الجن كما أثبت اللَّه سبحانه كائنات مستترة عن أنظار البشر، قال جل ذكره: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٧]. ثم إن اللَّه قد أعطاهم قدرة على التجسم والظهور بأشكال شتى.
ولقد رأى نفر منهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وكانوا قد حيل بينهم وبين خبر السماء وأرسلت علهيم الشهب، فلما وجدوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلي صلاة الفجر وهو يقرأ القرآن فاستمعوا فعرفوا ما الأمر الذي حدث وكان سبب منعهم من استراق السمع.
قال سعيد بن جبير: (لما بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حُرست السماء، فقال الشيطان: ما حرست إلا لأمر قد حدث في الأرض. فبعث سراياه في الأرض فوجدوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلي صلاة الفجر بأصحابه بنخلة وهو يقرأ، فاستمعوا حتى إذا فرغ ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ إلى قوله ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾).