وقد مثَّلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكثه في الدنيا كساعة من نهار، يرحل بعدها ويتركها.
فقد أخرج الترمذي والحاكم بسند صحيح عن علقمة عن عبد اللَّه مرفوعًا: [مالي وللدنيا؟ ! ما أنا والدنيا؟ ! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظلَّ تحت شجرة ثم راح وتركها] (١).
وله شاهد عند ابن حبان وأحمد عن عكرمة عن ابن عباس: [أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثرَّ في جنبه فقال: يا نبي اللَّه لو اتخذت فراشًا أوثر من هذا؟ فقال: مالي وللدنيا؟ ! ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها] (٢).
وقوله: ﴿بَلَاغٌ﴾ - فيه تأويلان محتملان:
التأويل الأول: البلاغ بمعنى التبليغ. قال الحسن: (أي هذا القرآن بلاغ). فرفع ﴿بَلَاغٌ﴾ على إضمار مبتدأ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾ [إبراهيم: ٥٢]. وقوله: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦].
التأويل الثاني: أي إن ذلك اللُّبْث بلاغ. قال ابن عيسى. فيوقف على هذا على ﴿بَلَاغٌ﴾ وعلى ﴿نَهَارٍ﴾ - ذكره القرطبي.
وقوله: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾. قال ابن عباس: (أي الخارجون عن أمر اللَّه). وعن قتادة: (لا يهلك اللَّه إلا هالكًا مشركًا). وهذا من كمال عدله سبحانه فإنه لا يعذب بالنار إلا من استحق الإهانة والعذاب، ومن ثمَّ فلا يهلك على اللَّه إلا هالك.
أخرج الحاكم وأحمد بسند صحيح عن أنس رضي اللَّه عنه قال: [مرَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأناس من أصحابه، وصبي بين ظهراني الطريق، فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ، فسعت والهة، فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها، فقال القوم: يا نبي اللَّه!
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (٢٥٢٦)، والحاكم (٤/ ٣٠٩ - ٣١٠)، وأحمد (١/ ٣٠١)، ورواه البيهقي كما في "الترغيب" (٤/ ١١٤)، وانظر: "الصحيحة" (٤٤٠).