القرآن، وتخصيص الإيمان بالمنزل على رسوله من بين ما يجب الإيمان به لتعظيم شأنه).
وقوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾. جملة اعتراضية مؤكدة أن القرآن المنزل على محمد هو الحق، أو أن دين محمد هو الحق الناسخ لجميع الأديان قبله.
وقوله: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾. أي ما مضى من ذنوبهم وخطاياهم قبل الإيمان.
وقوله: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾. قال ابن عباس: (أمرهم). وقال مجاهد: (شأنهم). وقال قتادة: (أصلح حالهم). وكلها متقاربة. والبال: كالمصدر مثل الشأن لا يعرف منه فعل، ولا جمع له إلا لضرورة الشعر فيقال: (بالات).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا عَطَسَ أحَدُكُم فليقل: الحمدُ للَّه، وليقل له أخوه -أو صاحِبُهُ-: يرحَمُكَ اللَّه، فإذا قال له: يرحَمُكَ اللَّه، فليقل: يهديكم اللَّه ويُصْلِحُ بالكم] (١).
وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾.
أي: ذلك الإضلال والهدى، وإبطال أعمال الكفار، والتجاوز عن سيئات الأبرار، إنما يرجع إلى سوء اختيار أهل الضلال، وحسن امتثال المؤمنين الأخيار. قال مجاهد: (الباطل: الشيطان). وقيل: (الباطل: الشرك، والحق: التوحيد والإيمان). قال ابن جرير: (أما الكافرون فأضللنا أعمالهم، وجعلناها على غير استقامة وهدى، بأنهم اتبعوا الشيطان فأطاعوه، وهو الباطل. وأما المؤمنون فكفرنا عنهم سيئاتهم وأصلحنا لهم حالهم بأنهم اتبعوا الحق الذي جاءهم من ربهم وهو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-).
وقوله: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾. قال القرطبي: (أي كهذا البيان الذي بُيّن يبيِّنُ اللَّه للناس أمر الحسنات والسيئات).
قال الزمخشري: (فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: في أن جعل اتباع الباطل مثلًا لعمل الكفار، واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين. أو في أن جعل الإضلال مثلًا لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلًا لفوز المؤمنين).
والمقصود: يشبه اللَّه للناس في هذا القرآن الأشباه، فيلحق بكل قوم من الأمثال أشكالًا، وبكل سبيل ووجهة يوليها الناس أوصافًا وأحوالًا.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٢٢٤) - كتاب الأدب، باب: إذا عطسَ كيفَ يُشَمَّتُ؟.


الصفحة التالية
Icon