عند الفراق والملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، ذلك بما أسخطوا اللَّه وكرهوا رضوانه فأخزاهم وأحبط أعمالهم.
فعن قتادة: (﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ إذن واللَّه يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية اللَّه، لو تدبّره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند اللَّه). قال القرطبي: (﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ أي يتفهمونه فيعلمون ما أعدّ اللَّه للذين لم يتولّوا عن الإسلام. ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ أي بل على قلوب أقفال أقفلها اللَّه عز وجل عليهم فهم لا يعقلون). قال النسفي: (ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك، والمراد بعض القلوب وهي قلوب المنافقين، وأضيفت الأقفال إلى القلوب لأن المراد الأقفال المختصة بها، وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح، نحو الرّين والختم والطبع).
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ﴾. قال قتادة: (يقول: زَيَّنَ لهم). قال ابن عباس: (هم أهل النفاق).
والمعنى: إن الذين رجعوا إلى الكفر وفارقوا الإيمان من بعد ما أكرمهم اللَّه بحجج الحق وأنار لهم سبيل النجاة، إنما زَيَّن لهم صنيعهم ذلك الشيطان وحسَّنه لهم.
وقوله: ﴿إِوَأَمْلَى لَهُمْ﴾. أي: غرّهم وخدَعهم بما اقترح عليهم.
وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾. قال القاسمي: (﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي بسبب أنهم ﴿قَالُوا﴾ أي المنافقون ﴿لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ أي لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾ أي في بعض أموركم، أو ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد، والتظاهر على الرسول، أو الخروج معهم إن خرجوا، كما أوضح ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ [الحشر: ١١] وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادّونهم).
قلت: والآية ردٌّ على المترخصين اليوم من التجمعات الإسلامية الجلوس في المحافل التي يحكم بها بالشرائع الوضعية يدّعون الانتصار لبعض شعائر الإسلام حيث يخسرون غالبًا بالأصوات.