اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١١١]).
قلت: والآية دليل على إثبات صفة اليد للَّه تعالى، بل له سبحانه يدان كلتاهما يمين. قال تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: ٧٥]. وقال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ٦٤].
وفي صحيح مسلم عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ المقسطين عند اللَّه يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا] (١).
وقوله: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾. أي: فمن نقض البيعة -يا محمد- فلم ينصرك وخالف ما وعد ربه فإنما يعود وبال نقضه عليه.
وقوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ -أي ثوابًا جزيلًا. قال قتادة: (وهي الجنة).
وقوله: ﴿عَلَيْهُ﴾ - قال أهل العربية: الياء هنا حاجز غير حصين، أي: تحفظ حركة اللام لتضم الهاء بعدها نحو قولنا: (كتابَهُ، قلمَهُ). فاعتبروا الياء غير موجودة، وهذا فيه تفخيم لفظ الجلالة، وأما ﴿عَلَيْهِ اللَّه﴾ فهو رقيق. فهي عملية إيقاعية ترتيلية تفيد التفخيم، وتدل على نسبة العهد إلى اللَّه العظيم كما تنسب أمرًا إلى صاحبه فتقول: (كتابهُ، مكتبهُ) الذي يدل على التوقير والتعظيم.
وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سَمُرٍ بالحديبية، فإلى ذكر أخبار تلك البيعة من السيرة والسنة الصحيحة.
لقد خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الاثنين غُرَّة ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، واصطحب معه زوجته أم سلمة، وقصد بخروجه العمرة، وساق أمامه الهدي الكثير، الذي سيذبح في مكة ويطعم منه فقراؤها، وأخرج معه ألفًا وأربع مئة رجل، في تظاهرة عجيبة تفوح منها مشاعر التعظيم للبيت العتيق، وتُبْطِلُ خُطا رجالها دعاية قريش وإفكها ضد المسلمين بأنهم لا يقرون بحرمة الكعبة. وقد توقع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تصدي قريش

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٨٢٧)، كتاب الإمارة، باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر.. ورواه أحمد والنسائي. انظر صحيح الجامع (١٩٤٩).


الصفحة التالية
Icon