إلى مكة نذيرًا، لتخرج معه قريش وتعسكر في بَلْدَح وهو واد بمكة، ولتنزل على الماء الذي هناك، مسابقةً بذلك إليه جيش المسلمين. ولكن ما إن اقترب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الحديبية حتى بركت ناقته، حبسها حابس الفيل، فعدل -صلى اللَّه عليه وسلم- عن دخول مكة إلى أقصى الحديبية.
وفي هذه الأثناء كانت قريش تفور غليانًا، تخشى من نزول مَذَلَّةٍ جديدة بها، فهي وإن كان المسلمون قد جاؤوا مسالمين ما يريدون إلا زيارة البيت الحرام، إلا أنها كانت تخاف أن يتحدث العرب أن محمدًا دخل عليهم عنوة وهم ينظرون، ولذلك بدأت ترسل الوفود والمفاوضين.
وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد بعث خرّاش بن أمية الخزاعي، ثم أراد بعث عمر بن الخطاب ولكنه عدل عنه إلى عثمان بن عفان -كما روى أحمد من حديث المسور-: [فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنه جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته،... فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمين أن عثمان قد قتل] (١).
وهنا دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه إلى البيعة تحت الشجرة.
قال ابن إسحاق: (فحدثني عبد اللَّه بن أبي بكر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال حين بلغَه أن عثمان قد قُتِلَ: لا نبرح حتى نناجِزَ القوم، فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة).
فقام الأصحاب رضوان اللَّه عليهم يبايعون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الثبات والصبر وألا يفروا عند القتال حتى يأذن اللَّه بنصر من عنده أو يموتوا دون ذلك.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن يزيد بن أبي عبيد قال: [قلت لسلمة بن

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٣٢٤)، وانظر سيرة ابن هشام (٣/ ٣٠٨) وإسناده حسن.


الصفحة التالية
Icon