يزل اللَّه يزيد فيهم، ويؤيدهم بالإسلام، كما أيَّد هذا الزرع بأولاده، فآزره، فكان مثلًا للمؤمنين).
وقوله: ﴿فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾.
أي: فلما آزره سبحانه غلظ ذلك الزرع فاستوى على سوقه (والسوق: جمع ساق) فصار هذا الزرع الذي استغلظ وصلب وحسن نباته يعجب الذين زرعوه وبذلوا الجهد في بذاره وتثبيت جذوره، وهو مثل يراد به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والرعيل الأول الذين كانوا أساس هذه الدعوة، فما زالوا في جهاد وعراكِ وبذل وتضحية حتى أنشأ اللَّه بهم جيلًا ضخمًا وجيشًا كبيرًا ليغيظ بهم الكفار.
قال ابن زيد: (﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ قال: يعجب الزرّاع حُسنه ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ بالمؤمنين، لكثرتهم، فهذا مثلهم في الإنجيل).
ذكر الخطيب -أبو بكر- عن أبي عروة الزبيريّ من ولد الزبير قال: (كنا عند مالك بن أنس، فذكروا رجلًا ينتقص أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقرأ مالك هذه الآية: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ حتى بلغ ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾. فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد أصابته هذه الآية).
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لا تَسُبُّوا أصحابي، فَلَوْ أنَّ أحدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلغ مُدَّ أحَدِهم ولا نصيفَهُ] (١).
وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. قال النسفي: (لأن الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك). و ﴿من﴾ في قوله ﴿مِنْهُم﴾ لبيان الجنس. والمعنى: وعد اللَّه هؤلاء الأخيار من الصحابة الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة لذنوبهم وثوابًا عظيمًا ورزقًا كريمًا ينعمون به في الآخرة، وعْدُ صِدق لا يُبَدَّل ولا يُغَيَّر، ومن أصدق من اللَّه قيلًا.
تم تفسير سورة الفتح بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منه وكرمه الاثنين ٤ - رجب - ١٤٢٦ هـ الموافق ٨ - آب - ٢٠٠٥ م