أحدَكُم ليتكلَّمُ بالكلمة من سَخَطِ اللَّه ما يَظُنُّ أنْ تبلُغَ ما بَلَغَتْ فيكتب اللَّه عليه بها سَخَطَهُ إلى يوم يلقاه] (١).
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾. قال ابن عباس: (طهّرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من اللَّه والتقوى). وقال قتادة: (أخلص اللَّه قلوبهم فيما أحبّ). وقال الأخفش: (اختصها للتقوى).
والمعنى: إن الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تعظيمًا له أولئك الذين أخلص اللَّه قلوبهم فيما أحب، وجعلها أهلًا ومحلًا لاستقرار التقوى. ثم إنه في الآخرة ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
٤ - ٥. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.
في هذه الآيات: نعْتُ سوء أدب بعض الأعراب القساة في مناداتهم النبي عليه الصلاة والسلام، وتوجيههم لحسن الأدب الذي عليه الصحابة الكرام.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾. ذمٌّ من اللَّه عز وجل لبعض الأعراب الأجلاف الذين كانوا ينادون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من وراء الحُجرات، وهي بيوت نسائه، يرفعون أصواتهم وينادون: يا محمد اخرج إلينا، والحجرات: جمع حجرة، والمراد البيت.
أخرج الترمذي والنسائي بسند صحيح عن البراء: [في قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا محمد، إنَّ حَمْدي زيْنٌ وذَمِّي شينٌ. فقال: ذاك اللَّه عز وجل] (٢).
وأخرج الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن الأقرع بن حابس: [أنه نادى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من وراء الحُجُرات فقال: يا محمد -وفي
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في الجامع (٣٢٦٧)، والنسائي في "التفسير" (٥٣٥)، والطبري (٣١٦٧٦)، (٣١٦٧٧)، وإسناده حسن صحيح.