إسلامهم الوليدَ بن عقبة بن أبي معيط، فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم هابهم، فرجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوه ما قِبَلهم من صدقتهم، فأكثر المسلمون في ذكر غَزْوهم، حتى همَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يغزوهم، فبينا هم على ذلك قدمَ وفدُهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول اللَّه، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لِنُكْرِمَه، ونؤدّي إليه ما قِبَلنا من الصدقة، فانشمر راجعًا -أي جدّ وأسرع بالرجوع-، فبلغنا أنه زعم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا خرجنا إليه لنقتله، واللَّه ما جئنا لذلك، فأنزل اللَّه تعالى فيه وفيهم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾... إلى آخر الآية] (١).
وقوله: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. قال ابن جرير: (فتبينوا لئلا تصيبوا قومًا برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم فتندموا على إصابتكم إياهم).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إياكم والظَّنَّ، فإن الظَّنَ أكذَبُ الحديث، ولا تحسَّسُوا، ولا تجسَّسُوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللَّه إخوانًا] (٢).
وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾. أي: واعلموا -معشر المؤمنين- أن فيكم رسول اللَّه فاحذروا أن تفتروا الكذب بين يديه فإن اللَّه يخبره أخباركم ويعرفه أنباءكم. ولو كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعمل في الأمور بآرائكم ويطيعكم فيما تقولون له لنالكم بذلك "العنت" أي الشدة والمشقة.
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي نضرة قال: [قرأ أبو سعيد الخدري: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾. قال: هذا نبيكم يوحى إليه. وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لَعَنِتوا، فكيف بكم اليوم] (٣).
وقول: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. أي: حسَّن الإيمان في قلوبكم فآمنتم وأقبلتم على الحق. قال القرطبي: (هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا يخبرون بالباطل، أي جعل الإيمان أحبّ الأديان
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٥٦٣) - كتاب البر والصلة. باب تحريم الظن والتجسس...
(٣) صحيح الإسناد. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٠٧) - كتاب التفسير - سورة الحجرات - آية (٧).