واللقب بمعنى واحد، يجمع النبز: أنبازًا، واللقب ألقابًا). قال ابن عباس: (التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها، وراجع الحق، فنهى اللَّه أن يعير بما سلف من عمله). وقال ابن زيد: (تسميته بالأعمال السيئة بعد الإسلام زان فاسق).
أخرج أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن أبي جَبيرَة بن الضحاك قال: [فينا نزلت، معشر الأنصار: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾. قدم علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والرجل منا له الاسمان والثلاثة. فكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ربما دعاهم ببعض تلك الأسماء. فيقال: يا رسول اللَّه! إنه يغضب من هذا. فنزلت: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾] (١).
واختار ابن جرير أن الآية عامة في كل تلاعب بالألقاب يسيء إلى الآخرين فقال: (والتنابز بالألقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ اللَّه بنهيه ذلك ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها).
وقوله: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾. الاسم هنا بمعنى الذكر والصفة، والتقدير: بئس الذكر اللامزين والمتنابزين أن يذكروا بالفسق بعد الإيمان. قال النسفي: (وقوله بعد الإيمان استقباح للجمع بين الإيمان وبين الفسق الذي يحظره الإيمان).
وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. قال القرطبي: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ أي عن هذه الألقاب الذي يتأذى بها السامعون ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي).
وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
تحذير من اللَّه سبحانه عباده المؤمنين من بعض الظن، لما قد يترتب عليه من ظلم وضياع حقوق أو إساءة وغيبة، في حين أذن لهم بظن الخير، أن يظن بعضهم ببعض خيرًا، كما قال سبحانه في سورة النور: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾. فتوجه النهي في آية الحجرات إلى ظن الشر والسوء.
قال ابن عباس: (نهى اللَّه المؤمن أن يظن بالمؤمن شرًا). فإن ظن المؤمن بأخيه المؤمن الشر لا الخير فقد أثم، لأن اللَّه نهاه عن فعل ذلك.

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٢٦٠)، وأبو داود (٤٩٦٢)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٣٠)، وابن ماجة (٣٧٤١). وانظر صحيح ابن ماجة (٣٠١٥).


الصفحة التالية
Icon