والمكر واستخدام الباطل في محاولة لتقويض الحق ولكن أنّى لهم، فقد عاجلهم اللَّه بالعقوبة وأنزل العذاب بهم، وحقت عليهم كلمة اللَّه ليملأن جهنم منهم ومن أتباعهم. لكنِ الملائكة الذين يحملون العرش يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للمؤمنين ويدعون اللَّه لهم، بأن يمنّ عليهم بالمغفرة والنجاة من عذاب الجحيم، ودخول الجنان هم وذراريهم ممن اتبعهم آمنين، دون الخوض في متاعب الحساب وآلام العذاب.
فإلى تفصيل ذلك:
قوله تعالى: ﴿حم﴾. أجمل ما قيل فيه: إنه إعجاز للعرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي ركبت كلماته من مثل هذه الأحرف المقطعة. وقد مضى ذكر أمثال ذلك.
أخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن المُهَلِّب بن أبي صُفْرَة قال: أخبرني من سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [إنْ بُيِّتُمْ فليكن شِعارُكمْ: حم لا ينصرون] (١).
ويبدو أن الانتصار قد تواتر بعد ذكر هذه الحروف في أوائل تلك السور التي ذكر فيها. فقال هنا جل ذكره: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾. و ﴿تَنْزِيلُ﴾: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، أو مبتدأ مرفوع للخبر ﴿مِنَ اللَّهِ﴾. والمعنى: هذا القرآن هو تنزيل من اللَّه ذي العزة والعلم.
قال ابن جرير: (من اللَّه ﴿الْعَزِيزِ﴾ في انتقامه من أعدائه، ﴿الْعَلِيمِ﴾ بما يعملون من الأعمال وغيرها، تنزيل هذا الكتاب). وقال ابن كثير: (فلا يرام عزه، ولا يخفى عليه الذر وإن تكاثف حجابه). وقال النسفي: (أي المنيع بسلطانه عن أن يتقول عليه متقول، العليم بمن صدق به وكذب، فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين).
وقوله: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾. أي يغفر ما سلف، ويعفو ويصفح عمن تاب وأقبل صادقًا.
وقوله: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾. أي لمن تمرَّد وطغى، وآثر الحياة الدنيا وبغى، وعتا عن أوامر اللَّه فاستكبر وعصى.
وهذا كما قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩ - ٥٠].