وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ فيه أقوال متكاملة:
١ - قال أبو الأحوص: (هو تسبيح اللَّه تعالى في الليل).
٢ - قال مجاهد: (﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾: من الليل كله). أي صلاة الليل كله.
٣ - عن ابن عباس: (أنها ركعتا الفجر).
٤ - عن ابن زيد: (﴿وَمِنَ اللَّيْلِ﴾ قال: العتمة). يعني صلاة العشاء الآخرة.
وفي التنزيل نحو ذلك، قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩].
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصاهت، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [مَنْ تَعَارَّ من الليل فقال: لا إله إلا اللَّه وحْدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد اللَّه وسبحان اللَّه، ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دَعا استُجيبَ، فإنْ توضأ وصَلّى قُبِلت صَلاتُه] (١).
وقوله: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾. قال ابن عباس: (هو التسبيح بعد الصلاة).
وقيل: (هما الركعتان بعد المغرب). روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة، وأثر ذلك عن مجاهد وقتادة. ولا مانع من اجتماع القولين.
وفي الصحيحين عن وَرَّاد مولى المغيرة بن شُعبة قال: كتب المغيرةُ إلى معاوية بن أبي سفيان: [أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول في دُبر كل صلاة إذا سَلَّمَ: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانِعَ لما أعطيتَ، ولا مُعْطي لما مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ] (٢).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه قال: [جاء فُقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول اللَّه ذَهب أهل الدُّثور بالدرجات العُلَا والنَّعيم المقيم. فقال: وما ذاك؟ قالوا: يُصَلّون كما نُصَلّي، ويصومون كما نصومُ، ويتصدَّقون ولا نتصَدَّق،

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١١٥٤) كتاب التهجد، ورواه أبو داود (٥٠٦٠)، والترمذي (٣٤١١) من حديث عبادة بن الصامت.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٣٣٠)، كتاب الدعوات، وأخرجه مسلم (٥٩٣)، وأحمد (٤/ ٢٥٠)، وأبو داود (١٥٠٥)، والنسائي (٣/ ٧١). وقوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أي: لا ينفع ذا الغنى منك غنًى، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة.


الصفحة التالية
Icon