أفضلُ من التسليم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]، فالخليل اختار الأفضل).
وقوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾. أي غرباء لا نعرفكم. قال أبو العالية: (أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض). وقيل: خافهم، يقال: أنكرته إذا خفته. ورُفِعَ ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ بإضمار أنتم.
وقوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾. قال الزجاج: (أي عدل إلى أهله). والمقصود: انسَلَّ إلى أهله ورجع في خِفية مسرعًا ليحضر لهم ضيافة، وهذا من أدب المضيف.
وقوله: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾. أي فجاء ضيفه بعجل مشوي قد أنضجه شيًّا.
وقيل: جاء لهم من خيار ماله. وفي الآية الآخرى: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩]. أي: مشوي على الرّضْف.
وقوله: ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾. أي: أدناه منهم ليأكلوا منه فلم يأكلوا.
وقوله: ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾. قال ابن كثير: (تَلَطُّفٌ في العبارة وعَرْضٌ حَسَنٌ. وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة، فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعُرون بسرعة، ولم يمتَنَّ أوَّلًا فقال: نأتيكم بطعام؟. بل جاء به بسُرعَةٍ وخَفاءٍ، وأتى بأفضَل ما وجَدَ من ماله، وهو عِجْلٌ فَتِيُّ سَمين مَشْويٌّ، فقرّبه إليهم، لم يضَعْهُ، وقال اقتربوا، بل وضَعَهُ بين أيديهم، ولم يأمُرهم أمرًا يَشُقُّ على سامِعه بصيغةِ الجَزْمِ، بل قال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾، على سبيل العَرْض والتَّلَطُّف، كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضَّل وتُحسِن وتتصدّق فافعَل).
وقوله: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾. أي: فأضمر منهم مخافة، وأحسّ منهم في نفسه خوفًا حين لم يأكلوا طعامه. وقوله: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾. أي: لما رأوا ما بإبراهيم من الخوف أعلموه أنهم ملائكة اللَّه ورسله وبَشَّرُوه بولد يولد له من سارة زوجته. وهذا مبسوط في سورة هود، في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾. أي: فاستبشرت بهلاكهم، لفرط كبرهم وعتوهم وتمردهم على اللَّه تعالى، فعند ذلك زادتها الملائكة بشرى ثانية: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١]. فأضاف البشرى هنا لها، وأضافها في هذه السورة لإبراهيم بقوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ