وبين شحمة أذنيه وعاتقهِ خفقان الطير سبع مئة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت] (١).
وقوله: ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾. فيه إظهار شرف الإيمان، فهم مع ما أوتوا من قوة لحمل العرش فإنهم أذلاء خاشعون للَّه.
وقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾. قال قتادة: (لأهل لا إله إلا اللَّه).
قال ابن جرير: (يقول: ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم من توحيد اللَّه، والبراءة من كل معبود سواه ذنوبهم فيعفوها عنهم).
وفي السنة الصحيحة ما يدل على مثل ذلك:
ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ما مِنْ عبدٍ مسلم يدعو لأخيه يظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل] (٢). وفي لفظ آخر: [مَنْ دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكَّلُ بهِ: آمين، ولك بِمِثْل].
وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن علي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إذا عادَ الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة (٣) الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان عشيًا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح] (٤).
وعن خلف بن هشام البزار القارئ قال: (كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بكى ثم قال: يا خلف! ما أكرم المؤمن على اللَّه نائمًا على فراشه والملائكة يستغفرون له).
وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: (افهموها فما في العالم جنة

(١) إسناده جيد. أخرجه الطبراني من حديث أنس. انظر صحيح الجامع (٨٦٦)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ٥٣٨) - بحث: الإيمان بالملائكة - لمزيد من التفصيل.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه -حديث رقم- (٢٧٣٢) - كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب. ح (٨٦)، ح (٨٧).
(٣) أي في اجتناء ثمرها.
(٤) حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/ ٨١)، وأبو داود (٣٠٩٩)، وابن ماجة (١/ ٤٤٠)، وأخرجه الحاكم (١/ ٣٤٩)، وأبو يعلى في "مسنده" (٧٧). وانظر السلسلة الصحيحة (١٣٦٧).


الصفحة التالية
Icon