وقوله: ﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾. قال ابن جرير: (عندهم فاكهة كثيرة). يقال: رجل فاكه أي ذو فاكهة، ورجل تامر أي عنده تمر. وقرأ الحسن وغيره: "فَكِهين" بغير ألف، ومعناه: معجبين ناعمين. يقال: فِكهَ الرجلُ فهو فَكِهٌ إذا كان طيب النفس مزاحًا. قال ابن كثير: (﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾، أي: يتفكَّهون بما آتاهم اللَّه من النعيم، من أصناف الملاذ، من مآكِلَ ومشارِبَ وملابسَ ومساكِنَ ومراكِبَ وغير ذلك).
وقوله: ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾. أي: ويضاف إلى ذلك التفكه في ألوان النعيم، نعمة جليلة عظيمة وهي زحزحته إياهم عن دخول الجحيم، فإن ذلك من الفوز العظيم.
وقوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. قال القرطبي: (الهنيء ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر). أي: ويقال لهم: كلوا واشربوا لا تخافون فيما تأكلون وتشربون أذى ولا غائلة، ولا تجدون ما يعكّر أو ينغِّصُ، فهذا جزاء رفيع أعمالكم وحسن امتثالكم لأوامر ربكم عز وجل.
وقوله: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾. أي: متكئين على نمارق سرر موصولة بعضها إلى بعض. و ﴿سُرُرٍ﴾ جمع سرير. والآية وصف بديع لاطمئنان أهل الجنة في منازلهم.
وقوله: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾. أي: وقرناهم بالحور عظام الأعين حسانها.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾.
أخرج البزار وابن عدي بسند صحيح عن ابن عباس رفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنّ اللَّه لَيَرْفَعُ ذُرِّيةَ المؤمن إليه في درجته، وإنْ كانوا دونَه في العمل، لِتَقَرَّ بهم عَيْنُهُ، ثم قرأ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ الآية، ثم قال: وما نَقَصْنا الآباء بما أعْطَيْنا البنين] (١).
قلت: وهذا تفضّل لطيف من الباري عز وجل على عبده الصالح، أنْ لَمَّ له شَمْلَ أسرته فجمعهم إليه في مستقره في الآخرة وإن كانوا دونه في العمل، ليأنس بهم ويسعد