ومنه ما روى أبو داود في السنن بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرّة سوي] (١). أي لا تحل الصدقة لغني ولا لصحيح سوي قوي.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾. أي: فاستوى هذا الشديد القوي جبريل ومعه محمد -عليهما السلام- بالأفق الأعلى. قال الربيع: (السماء الأعلى، يعني جبريل عليه السلام). وقال عكرمة: (والأفق الأعلى الذي يأتي منه الصبح). وقال مجاهد: (هو مطلع الشمس). وقال قتادة: (هو الذي يأتي منه النهار). واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾. قال الربيع: (هو جبريل عليه السلام). أي: ثم دنا جبريل من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ﴿فَتَدَلَّى﴾ أي: فزاد في القرب، والتدلي هو النزول بقرب الشيء.
وقوله تعالى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾. قال مجاهد: (حيث الوتر من القوس). أي: فكان جبريل عليه السلام قريبًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على قدر قوسين أو أدنى من ذلك يعني: أو أقرب منه.
وفي الصحيحين وسنن الترمذي عن عبد اللَّه بن مسعود: [في قوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ وفي قوله: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ وفي قوله: ﴿رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ قال فيها كلها: رأى جبريل عليه السلام له ست مئة جناح] (٢).
وفي لفظ الترمذي: [﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ قال: رأى رسول اللَّه جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض].
وفي الصحيحين أيضًا عن مسروق قال: [قلت لعائشة: فأين قوله: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ قالت: ذاك جبريل عليه السلام، كان يأتيه في صورة الرجل، وإنما أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسَدَّ الأفق] (٣).

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (١٦٣٤)، في السنن. انظر صحيح سنن أبي داود (١٤٣٩)، ورواه أحمد وغيرهما. انظر صحيح الجامع (٧١٢٨).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٣٧) - كتاب التفسير، ورواه مسلم. وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٦١٧) - كتاب التفسير.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٢٣٣) - كتاب بدء الخلق، وانظر صحيح مسلم (١٧٧)، والنسائي في "التفسير" (٤٢٨).


الصفحة التالية
Icon