شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] فطاف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمسلمون] (١).
وهذه الثلاثة هي من أشهر الطواغيت التي كانت العرب تعظمها كتعظيم الكعبة، وهناك غيرها. قال ابن إسحاق: (وقد كانت العربُ اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوتٌ تُعَظِّمُها كتعظيم الكعبة، بها سَدَنَةٌ وحُجَّابٌ، وتُهدي لها كما يُهدى للكعبة، وتطوفُ بها تطوافها بها، وتنحر عندها، وهي تعرف فضلَ الكعبة عليها، لأنها كانت قد عرفت أنها بيتُ إبراهيم -عليه السلام- ومسجدُه، فكانت لقريش وبني كنانة العُزَّى بنخلة، وكانت سدنتها وحُجَّابُها بني شيبان من سُلَيم حلفاء هاشم) (٢).
قلت: وقد بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية في أعقاب فتح مكة لخمس ليال بقين من رمضان أمَّرَ عليها خالد بن الوليد إلى العُزى ليهدمها -كما يروي ابن سعد في الطبقات- في ثلاثين فارسًا من أصحابه حتى انتهوا إليها، فهدمها ثم رجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فقال: هل رأيت شيئًا؟ قال: لا، قال: فإنك لم تَهْدِمْها فارجع إليها فاهدمها. فرجع خالد وهو مُتَغَيِّظٌ فَجَرَّد سيفَه، فخرجت إليه امرأة عجوز عُريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السَّادِنُ يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ورجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فقال: نعم تِلك العُزَّى، وقد أَيِسَتْ أن تُعْبَدَ في بلادكم أبدًا. وكانت بِنَخْلة -على يوم من مكة-، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وكانت أعظمَ أصنامِهم، وكان سدنَتُها بني شيبان (٣).
ثم بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سعدَ بن زيد الأشهلي إلى مناة -كما يروي ابن سعد في الطبقات-، وكانت بالمُشَلَّل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فخرج في عشرين فارسًا حتى انتهى إليها وعندها سادِنٌ، فقال السَّادِنُ: ما تُريد؟ قلتُ: هَدْمَ مَناة، قال: أنت وذاك، فأقبل سعدٌ يمشي إليها، وتخرُجُ امرأةٌ عُريانة سوداءُ، ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتَضْرِبُ صَدْرها، فقال لها السَّادِنُ: مناة دونك بعضَ عُصَاتك، فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم، ومعه أصحابه فهدمه، وكسروه، ولم يجدوا في خزانته شيئًا (٤).
وأما اللات فكانت لثقيف بالطائف -كما يروي ابن إسحاق في السيرة- وكان سدنتها

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٤٨٦١)، كتاب التفسير، سورة النجم - آية (٢٠).
(٢) انظر سيرة "ابن هشام" (٤/ ٦٢)، وتفسير ابن كثير - سورة النجم - آية (٢٠ - ٢١).
(٣) انظر: طبقات ابن سعد (٢/ ١٤٥ - ١٤٦)، وكتابي: السيرة النبوية (٣/ ١٢٨١ - ١٢٨٢).
(٤) انظر: ابن سعد في "الطبقات" (٢/ ١٤٦ - ١٤٧)، وكتابي: السيرة النبوية (٣/ ١٢٨٢).


الصفحة التالية
Icon